التجارة في الأسهم وصناديق الاستثمار

بسم الله الرحمن الرحيم

التجارة في الأسهم وصناديق الاستثمار

حقيقة السهم:

الأسهم جمع سهم، وهو الحصة والنصيب، وفي الاقتصاد والتجارات يراد به: النصيب الذي يشترك به المؤسسون للنشاط الصناعي أو التجاري في رأس مال المؤسسة أو الشركة، ويثبتون ذلك في صك يُعطى لصاحب السهم، يُوَثِّق حصته في المؤسسة.

فلو تأسست شركة لإقامة سوق تجاري، أو لإقامة مصنع لإنتاج السيارات مثلا بمائة ألف دينار، مملوكة لمائة شخص بالتساوي، فإن كل واحد منهم يملك فيها سهما، قيمته ألف دينار، وهو شريك فيها بقيمة ذلك السهم، ونسبته من رأس مال المصنع أو الشركة 1 %، فلو نجح المصنع وربح، ربح سهم هذا الشريك بنسبة 1% من ربح المصنع الكلي، ولو خسر كان عليه من الخسارة مثلُ ذلك، ومَن أسهم في هذا المصنع بعشرة آلاف دينار، كان له عشرة أسهم، وهكذا.

ومن جميع أصحاب الأسهم تتكون الجمعية العمومية للمؤسسة، لذا لا بد أن تكون الأسهم كلها متساوية القيمة، لا أن يكون سهم بألف وسهم بألف وخمسمائة، وذلك ليسهل حساب أرباح المؤسسة وخسائرها، ويسهل معرفة الأغلبية عند التصويت في جمعيتها العمومية، لأن التساوي في قيمة ما يسهم به الفرد، يقتضي التساويَ في الحقوق.

الأسهم غير النقدية:

الأسهم منها ما هو نقدي، وهو ما يدفع نقدا، ومنها ما هو عيني، وهو ما يدفع من الأموال الأخرى غير النقد في تملك السهم، كالعروض والحيوان والعقار، ويُخرّّج في الفقه الإسلامي على المشاركة بالعروض، فإن الشركة تجوز بالنقود من الجانبين، وبالعروض من الجانبين، وبنقد من جانب وعرض من جانب، أو بنقد وعرض من جانب، ونقد وعرض من جانب آخر، ويكون الاشتراك في الحقيقة إنما هو بقيمة العروض يوم العقد، فالسهم بالعروض مثل ذلك، لأنه لا يعدو أن يكون حصة في شركة.

القيمة الاسمية والقيمة السوقية للسهم:

القيمة الاسمية للسهم هي قيمة الاكتتاب عند إصدار السهم، والسهم الذي قيمته الاسمية وقت الاكتتاب ألف دينار مثلا، قد تكون قيمته السوقية في السوق المالية لو عُرض للبيع في سوق الأسهم ألفا ومائة، إذا كانت المؤسسة رابحة، وقد تكون قيمته في السوق تسعَمائة، إذا كانت المؤسسة كاسدة.

حكم تملك الأسهم والتجارة فيها:

المشاركة بالأسهم وتداولها بالتجارة فيها يكون مشروعا إذا كان نشاط الشركة مشروعا؛ وذلك كأن تكون الأسهم في مصنع لإنتاج الإسمنت، أو السيارات، أو في تقديم خدمة مشروعة كالمقاولات، أو الهواتف والاتصالات، أو في بيع وشراء ما أحله الله من السلع والمعدات، كالأسواق التجارية المجمعة، التي لا تبيع المحرمات، وبذلك يكون تملك الأسهم مشروعا، وتداولها في السوق المالية بالبيع والشراء وغير ذلك من التنازل والهبة مشروعا.

وقد تكون الأسهم محرمة، وذلك عندما يكون نشاط الشركة محرما، كشراء أسهم شركات التأمين التجاري، وشراء أسهم المصارف التفليدية التي تتعامل بالفوائد الربوية، وبيع وشراء النقد بالآجل، وبيع وشراء الأسهم في الشركات التي تتاجر في الخمور والميتة وبيع ما لا يحل، وكذلك في بيع وشراء السلع دون تملكها ولا وجودها، للحصول على فروق الأسعار في صفقات وهمية، مما يدخل في حقيقته في بيع النقد بالنقد نسيئة أو بزيادة، أو في بيع الديون على الصورة المحرمة.

فالسهم، كأي سلعة من السلع، إذا ملكه صاحبه، فإنه يقبل التداول بالبيع والشراء، والتنازل والهبة، والرهن وغير ذلك، فإذا كان مشروعا، كان تملكه وتداوله مشروعا، وإذا كان أصله محرما، كان تداوله محرما، لأن لله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه، ففي حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن، قال: فرفع بصره إلى السماء، فضحك، فقال: لعن الله اليهود، ثلاثا، إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه).

اقتراض الأسهم لبيعها:

لا يجوز بيع سهم لا يملكه البائع، وإنما يتلقى وعدا من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم للمشتري، لأنه من بيع ما ليس في ملك بائعه.

الأسهم في شركات تقترض بالربا:

هناك أسهم في شركات نشاطها الأصلي مباح، لكنها تقوم بمخالفات شرعية في التطبيق، كأن تعقد عقودا فاسدة، أو تقترض بالربا، أو تودع أموالها في مصارف ربوية بفائدة، فهذه أيضا ملحقة بالشركات التي تقوم على نشاط غير مباح، لأن المال الناتج عن العقود الفاسدة أو المال المقترض بالربا للشركة، هو لصالح الشركاء جميعا، ويعم الأسهم كلها، لأن الشركة في الفقه الإسلامي قائمة على أن كل شريك يبيع نصف حصته بنصف حصة شريكه، فيملك كل واحد منهما نصف مال الآخر ليحصل الاشتراك في المال والاندماج، فما ينوب أي جزء في مال الشركة؛ إثما أو فسادا، قرضا أو إقراضا، ينوب سائر الأجزاء، وبذلك يدخل الحرام نصيب الشركاء جميعا، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا، أو إنتاج المحرمات، أو المتاجرة بها، وأن الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.

بيع أسهم أصولها نقود أو ديون:

لا إشكال في بيع وشراء أسهم الشركات التي أصولها عقارات، أو معدات أو أجهزة، أو أدوات أو آلات أو خدمات، لكن الإشكال في بيع الأسهم عندما تكون أصولها كلها ديونا أو نقودا، فإنه إذا كانت الأصول ديونا امتنع بيع الأسهم، لأن بيع الدين لغير من هو عليه بالحسم غير جائز، كما في بيع السندات الإذنية (الكمبيالات) للمصارف أو غيرها، لما فيه من الربا والزيادة على الدين نظير الأجل، وكذلك إذا كانت الأصول نقودا، ولو لم تكن دينا، لا يجوز بيعها، لأن بيع أسهمها حينئذ يدخل في باب الصرف الذي يُشترط التقابض فيه في مجلس العقد، كما يُشترط فيه عدم التفاضل في الصنف الواحد، فإن كانت الأصول مختلطة، فيها الديون والنقود، وفيها الأصول الثابتة من العقارات والعروض، فقد رأى مجمع الفقه الإسلامي الدولي، أن الأسهم إذا كان أكثرها غير ديون ولا نقود فإنه يجوز بيع أسهمها، كما تباع العروض، لأن العبرة بالغالب، والقليل له حكم الأكثر، وإلا يكن الأكثر غير ديون ولا نقود فلا تباع الأسهم إلا بمراعاة أحكام الصرف وأحكام بيع الديون، ومن العلماء من يحدد القلة بما لا يجاوز الثلث، لإذن النبي صلى الله عليه وسلم بالثلث في الوصية، وقوله فيها: (الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ).

من آلت إليه أسهم مُحرَّمة:

من آلت إليه بالميراث أسهم في مؤسسة نشاطها محرم، كالأسهم في ملكية المصارف الربوية، أو شركات التأمين التجاري، ولم يكن هو المتعاقد على شراء هذه الأسهم، فإن كان قدر المال حين آل إليه من مُوَرِّثه هو قدر رأس المال الأول، فليأخذه حلالا، لقول الله تعالى:(وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ)، وإن كان المال الذي آل إليه زائدا على رأس المال، فينبغي التفريق بين أمرين؛ الزيادة التي حصلت من تراكم الفوائد الربوية ذاتها، فهذه عليه أن يتخلص منها جميعها،  ولا يأكلها، لما صح من حديث جابر رضي الله عنه قال: (لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ)، إذ لم يفرق الحديث في اللعن بين الآكل المتعاقد بنفسه على الربا، وبين الوارث الذي آل إليه العقد.

أما الزيادة التي حصلت للمال بسبب ارتفاع الأسهم في السوق، وليست من تراكم الفوائد، فهي وإن كانت مكاسب خبيثة ناتجة عن استثمار أسهم في نشاط محرم، فَتُخَرَّج على اختلاف أهل العلم فيمن ورِث مالا حراما، فمن أهل العلم من يرى أنه حلال للوارث، وإثمه على مُوَرِّثه، فالحرام لا ينتقل ولا يتعلق بذمتين، ومنهم من يرى أنه لا يحل للوارث أيضا، لأن ما كان أصله حراما لا يصير حلالا بانتقال ملكه إلى الغي.

ولو أخذ من وقع له شيء من هذا بالقول الأول القائل بالحل مع التخلص من بعض من هذا المال وإنفاقه في وجوه البر، يرجو بذلك العفو من الله عن المورث، لكان سائغا.

الفرق بين أسهم الشركات وصناديق الاستثمار:

أسهم الشركات هي حصص مشاعة في رأس مال شركة، تقوم بإنتاج سلعة أو تقديم خدمات، كشركات النقل، أو الحديد والصلب، أو الهواتف والكهرباء، كما تقدم.

والصناديق الاستثمارية، هي شركات أسهم، أعمالها الأساسية تَمَلُّك الأوراق المالية، بشراء أسهم وسندات وغير ذلك من الحقوق المملوكة لشركات أخرى، وبيعها في السوق المالي، لتكسب من فروق الأسعار.

ويتم الاكتتاب في الصناديق المالية بتقسيمها إلى حصص ووحدات، حيث يُجعل للوحدة أو الحصة ثمن مقدر،  كمائة دينار مثلا، والمال المتجمع من هذه الحصص يمثل رأس مال الصندوق، والإيرادات الناتجة من بيع وشراء الأوراق المالية تُستثمر في الصندوق نفسه ابيع الأسهم وشرائها، ويتم تقويم محتويات الصندوق بصفة منتظمة أسبوعيا، أو كل شهر.

الصناديق المقفلة والمفتوحة:

تتنوع الصناديق إلى صناديق مقفلة، يكون رأسمالها محددا نسبيا عند طرحه للاكتتاب، ولا يُقبل دخول وخروج المسهمين في أي وقت، بخلاف الصناديق الاستثمارية المفتوحة، فلا تكون رؤوس أموالها محددة مسبقا عند إنشائها، بل تَسمح بدخول وخروج المسهمين في أي وقت، ومن يخرج يُعطى سعر وحداته يوم أن خرج، والداخل يشتري كذلك الوحدات بسعر السوق يوم الدخول، وهناك صناديق متخصصة في نشاطات محددة، مثل العقارات، أو المقاولات، أو العملات، أو غير ذلك.

الأساس الفقهي الذي تقوم عليه إدارة العمل في الصندوق:

صناديق الاستثمار تديرها إدارة تقوم على واحد من أمرين:

إما المضاربة، أو الوكالة بأجرة، ففي صورة المضاربة تعطي الإدارة حصة من الربح مقابل تسيير أعمال الصندوق، وعادة ما يكون القائمون بالإدارة مالكين لحصص إنشاء الصندوق، بوحدات أو أسهم قيمتها رمزية، مثل خمس دينارات للحصة أو الوحدة الواحدة، ويقومون بالإجراءات الأولية من توفير التراخيص والخبرات والتجهيزات، ثم يعلنون عن الاكتتاب، ويخلطون مالهم مع مال الصندوق، ويتقاضون حصة من الربح على العمل والإدارة، وحصة على المال، ويكونون بذلك عُرضة للربح والخسارة.

وأما صورة الوكالة بأجرة، فيُجعل فيها لمن يتولى الإدارة أجر شهري ثابت، ربح الصندوق أم خسر.

حكم الاستثمار في الصناديق:

حكم الاستثمار في هذه الصناديق يتبع نوع ما تتعامل فيه، من الأوراق المالية أو غيرها، فإن خلت من سندات قروض الربا وأسهم شركات نشاطُها حرام أو تتعامل بالربا ـ كان الاستثمار فيها جائزا مشروعا ، لقول الله تعالى (وأحل الله البيع)، وإلا كان محرما تبعا لأصلها.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

6 جمادى الأولى 1430 هـ

الموافق30 / 4 / 2009

 

التبويبات الأساسية