الجامعات الإسلامية ... فراغ مخيف.

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا تَعدم كلما خرجت من تجمع، ولو من صلاة الجماعة، من يسألك:

أين الجامعات الإسلامية؟

أين الكليات والمعاهد المتخصصة في العلوم الشرعية؟

أين أقسام السنة النبوية، وعلوم التفسير؟

أين أقسام العقيدة الإسلامية، وأصول الدين؟

أين الفقه المقارن وأصوله؟

أين هذا في جامعاتنا، وكلياتنا؟!

فراغ في التخصصات الإسلامية، لم يتوقع الناس أن يمضي هذا الوقت الطويل بعد الثورة دون أن يكون له في جامعاتنا وجود.

النظام الهالك أتى في هذا التخصص على كل شيء، أتى على الأخضر واليابس، جفف المنابع، ترك الديار بلاقع،  متصحرة جرداء، قاعا صفصفا بيداء!

            فراغ مخيف تعاني منه اليوم هذه العلوم، عُظْم الشيوخ والعلماء الذين تَخَرّجوا أو خَرّجوا الشيوخ في جامعة محمد بن علي السنوسي، أو في جامع الباشا، وميزران، أو زاوية الشيخ، كما كانت كلها تسمى في النظام التعليمي القديم قبل مجيء القذافي - عُظمهم قد ماتوا.

            جاء القذافي وذهب، وهذا التخصص مُحارب ومعاهده خالية خاوية، وها نحن نجني ثماره المرة ونبتته السيئة! 

العجب أننا إلى اليوم لا نزال كذلك، لا يزال المسؤولون على التعليم في جامعاتنا لا يدركون أهمية  هذا التخصص ولا يولونه اهتماما ولا عناية!     

            طرابلس، عاصمة ليبيا، ليس بها إلى حد الآن جامعة ولا كلية ولا معهد في التخصصات الإسلامية له وزن، ولا حلقات علم في المساجد لها بال، وقد قيل فاقد الشيء لا يعطيه! فأين الذين سيعقدون هذه الحلقات؟

ما الحل؟!

الحل: علينا أن نفتح الباب للاستعانة بالعلماء من مختلف بلاد الله، ونكرمهم ونجلهم ونغدق عليهم من المزايا المادية والمعنوية والتقدير والحفاوة والاحترام ما يُرغبهم في المقام بين ظهرانينا لتعليم أبنائنا، حتى تتكون الكوادر المؤهلة التي تحمل الرسالة، كما كان الحال في جامعة محمد بن علي السنوسي في عهد الملك رحمه الله، وكما فعلت بلاد عربية أخرى، فنجحت تجربتُها وعلا شأنها.

أقول لأقسامنا الإسلامية وجامعاتنا: انفتحوا واقبلوا التغيير، وطوروا أنفسكم، وانظروا إلى من حولكم، كيف نجحوا وكيف كونوا العلماء وعلا نجمُهم وتوجهت لهم الأنظار، واحذوا حذوهم، فالانغلاق وعدم قابلية التغيير ومشاركة المتخصصين معكم في فروع العلوم الإسلامية التي مر سرد بعضها إجمالا -  عدم قبول ذلك معناه الإصرار على الفشل ومزيد من المكابرة والعجز.

            كلنا يعلم أن ما كان مسموحا به على أكثر تقدير، حتى في الدراسات العليا طول العقود السابقة، هو وجود دراسات إسلامية، هكذا، عموميات ومن يتولون تسيير التخصصات الإسلامية اليوم في جامعاتنا أكثرهم خريجوا هذا التخصص العام، هؤلاء إذا لم ينفتحوا على مشاركة متخصصين معهم في وضع برامج متخصصة لفروع العلوم الإسلامية المختلفة فليس هناك من سبيل إلى إصلاح ، هل يُمكن لمن درس عموميات في علوم الطب أو الهندسة أن يؤسس لك مركزا في أبحاث الغدد الصماء، أو الهندسة النووية؟! 

أين الحضور الإعلامي للأكاديميين الذين هم على درجات الأستاذية وما حولها في أقسام الدراسات الإسلامية، لتوجيه الناس وبيان الحلال والحرام؟

أين مشاركاتهم فيما تتطلبه المرحلة بعد الثورة؟

ما الذي يمنعهم من الخروج للإسهام فيما يطرح من قضايا  مصيرية؟

إذا لم يكونوا هم أصحاب الرأي السديد والفكر الرشيد فمن؟!

أليست لهم رؤية؟

ماذا يتعلمون طول هذه السنين وماذا يعلمون؟ هل ما يتعلمونه ويعلمونه لا علاقة له  بواقع الناس؟!

أليس عجزا واضحا ألا نرى لهذه الأقسام وأساتذتها دورا في قضايانا الكبرى التي تطرح هذه الأيام بقوة في الإعلام وغير الإعلام؟

كيف يغيب عنها الأكاديميون الشرعيون وتُترك لكل من دب وهب؟    

           قسم الدراسات الإسلامية الوحيد بكلية الآداب في طرابلس لا يزال على حاله منذ أن كانت الدراسات الإسلامية محظورة في زمن القذافي، والمواد الشرعية تهرب إليه تهريبا بأسماء وهمية، حتى لا يضبط أصحابها متلبسين، زال الحظر وسميت الأشياء بأسمائها الآن، لكن المحتوى لا يزال على حاله فارغا؛ لأن القسم لا يريد أن يغير نفسه ويرفض أن يتطور!

هو القسم الوحيد لهذا التخصص في العاصمة لا يتأهل أن يتنافس مع أي جامعة في الدول التي حولنا مهما كان مستواها متواضعا، هذه هي الحقيقة المرة أقولها وأنا حزين! كان اللوم في الماضي على نظام القذافي، أما اليوم فلا نلوم إلا أنفسنا!

المستوى  المتدني لهذا التخصص في بلادنا  هو ما جعل هجرة طلابنا إلى الخارج بحثا عن جامعات إسلامية تقبلهم تتزايد يوما بعد يوم، لم يجدوا في بلدهم ما يشدهم ويُلبي طموحاتهم، فولوا وجوههم شطر المسجد الحرام، وتركوا البلاد!!  

الذي يُعِدّ العلماء هو أن يتولى إعدادهم متخصصون، فالعصر عصر التخصصات، والخبرةُ تستورد، يُعدهم التحصيل الجيد الشامل المتواصل المتفرغ، المتكون على يد الشيوخ، في جامعات ومعاهد متخصصة، يُعطي  فيها طالب العالم كلَّه للعلم، وتكميل ذلك أن توفر له حلقات التعليم المتين في المساجد والزوايا التي لا تتقيد بوقت ولا مدة، ولا تنتقي العلم انتقاء، وإنما تأتي على الكتاب من جلدته إلى جلدته، وعلى العلوم كلها أصولها وفروعها،  فقد قالوا: العلم إذا أعطيته كُلَّك أعطاك بعضَه، وإذا أعطيته بعضَك لم يعطك بعضه، أي فاتك كله.

            تدارك ما فات ـ حتى مع فوات الأوان - معناه ألا مكان لمزيد من التأخير والانتظار، فالفراغ مخيف، ويا من تحملون هم التعليم كفانا ما عانيناه من تفريط وتطفيف!

 

 الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

20 ربيع الأول 1434 هـ

01 فبراير 2013

 

التبويبات الأساسية