مناهج الجامعة والاجتهادات الفردية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، وبعد

فإن المفترض في المناهج الدراسية في الجامعة أن تكون مناهج علميةٍ متينةٍ، تلبي الحاجيات المعرفية التي يتطلع إليها الطالب الجامعي على وجه سليم، منقى مصفى من كل تشويش، فلم يعد الطالب يُعاني في الوقت الحاضر من صعوبة الوصول إلى المعلومة، بل يعاني من إنقاء المعلومة وسط الكم الهائل المتوفر بغزارة عبر وسائل الاتصال الحديثة من (انترنت) وقنوات فضائية وغيرها، والجامعة هي الجهة العلمية المؤهلة التي تعرف ـ بما تضمه من متخصصين ـ حاجة الطلاب من المعارف المنتقاة، على أساس يراعي الدقة والصواب وملأ الفراغ، الذي يبني بناء قويا ينهض بالأمة ويرفع من شأنها، وهذا يتطلب عدة أمور:

1 ـ ألا تترك مفردات المقرر الدراسي في الجامعة للاجتهادات الفردية التي تكون في الكثير والغالب في الكليات العلمية قد تجاوزها الزمن، وفي الأقسام الأدبية مشوشة محرفة، أو ضحلة هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع، خصوصا في ظل نظام الفصل الذي لا يكاد يبدأ حتى ينتهي، ويمر الطالب خلاله بثلاث اختبارات تأكل الوقت كله ولا تُبقي لتلقي المقرر الدراسي شيئا له بال.

2 ـ أن يتم اختيار مفردات المقرر الدراسي من عدد من الأساتذة في التخصص، على أن تخضع هذه المفردات إلى مراجعة دورية من قبل لجان علمية متخصصة تراعي متطلبات كل مرحلة.

3 ـ أن يُلْزَم أستاذ المادة باختيار كتاب أو أكثر يضم تلك المفردات أو معظمها، بحيث يكون الكتاب هو المرجع الأساسي للطلاب في المادة، ويُلزم الأستاذ بالتدريس من خلاله، وبذلك لا يُترك لاجتهاداته التي قد تكون خاطئة أو قليلة الجدوى، ويجد الطالب المجد مرجعا معتمدا للمادة يلبي حاجته.

الطلاب الجادون في الدراسة الجامعية هم الطرف الضعيف في المعادلة، لا يجد الطالب ما كان يتوقعه في قاعات الدراسة، ولا يقدر على الشكوى، بل حتى على معارضة الأستاذ ومناقشته، عليه السمع والطاعة والرضا والقبول مهما كان الذي يسمعه خَطَؤُه في العلم بَيّنٌ، أو يمس دينه ومعتقداته، أو يخدش حياءه ومروءته، لأن لهذا اليوم ما بعده، والدرجات بيد الأستاذ، وقراره من الناحية العلمية نهائي.

تكثر شكاوى الطلاب ـ غير الرسمية طبعا ـ من أساتذة يدرسون بعض المقررات الأدبية والشرعية بطريقة عقيمة، وكأنهم يعيشون خارج العصر، وآخرون لهم جرأة عجيبة على المقدسات الدينية، يتكلمون في المحاضرات بمقتضى هواهم، متحررين من كل قيد، خصوصا في أمور الغيب التي لا يعلم العقل منها شيئا، ومصدرها هو الوحي من الكتاب والسنة، فإذا أخطأهما ـ أي الكتاب والسنة ـ العقلُ أصيب في مقتل، كما فيما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته وباليوم الآخر والقدر، فهذه كلها غيبيات لا يسع فيها المسلم إلا الوقوف والتقيد بما ثبت فيها من الوحي في الكتاب والسنة، وقد ضلت فيها الفلاسفة قديما وحديثا عندما تجاوزوا ما ذكره الوحي.

وأستاذ ثالث تثير حفيظته طالبة متحجبة، فلا تفوته الفرصة ليضيف إلى مفردات المقرر ـ المتروكة لاجتهاده ـ محاضرة يستخف فيها بالحجاب، ويراه تخلفا، وآيات القرآن التي أمرت الرجال والنساء بغض البصر غير سارية المفعول في قاعات التعليم والتربية.

الاجتهاد الفردي في المقرر الجامعي ـ المتحرر من الكم والكيف ـ خطير، وسلبياته كثيرة تفوق الحد والعد، يُضعف البنية التعليمية، ويُفسد ما صلح منها، يجد فيه المدرس المتهاون المتكاسل ضالته، فيحول المحاضرة إلى درس إملاء، ويُنهي الفصل الدراسي بإملاء عشر صفحات من كتاب تكون هي حصيلة دراسة المادة لذلك الفصل، فتتعدد بالاجتهادات الفردية المشارب والأهواء، فالعقلاني الذي لا يقبل من الوحي إلا ما قبله عقله له مفردات، والذي يؤمن بالخرافة تحت اسم التصوف ويحول التدين إلى دروشة له مفردات، والمتشدد في فهم ظاهرية النصوص له مفردات.

اللوائح التي تضع مفردات ثابتة لكل مادة تُعرض على الأقسام لإقرارها والالتزام بها موجودة من قديم الزمان، لكن أين متابعة تنفيذها والالتزام بها ومعاقبة من يخالفها؟

فهل آن الأوان أن ننتبه لخطورة هذه الفوضى في المقررات وتفريغها من محتواها؟!

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

18 جمادى الثانية 1431 هـ

الموافق 1 / 6 / 2010

 

 

 

التبويبات الأساسية