تحية لاتحاد طلاب الجامعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كنت في طريقي إلى محاضرة مادة المعاملات المالية المعاصرة لطلبة الدراسات العليا  بجامعة طرابلس.

فوجئت بازدحام شديد في مدخل الجامعة ، تبين فيما بعد أن الطلاب لا يسمحون بدخول السيارات ، وأن الدراسة معطلة ، والقاعات مقفولة.

وفي مدخل الجامعة والسيارة شبه متوقفة، تقدم إلي بعض الطلاب المنظمين لهذا الاحتجاج بلطف وأدب، يعتذر عما حصل من قفل الطريق وتعطيل الدراسة.

سألت أحدهم عن اسمه ومن يكون فأجاب بأدب ، وذكر اسمه وقال : إنه رئيس اتحاد طلاب كلية القانون ، ومعه بعض معاونيه، وبالغوا جميعا في الاعتذار عما يحصل ، وما يلحق الناس بسببه  من أذى وضجر، وذكروا في اعتذارهم أنهم بلغوا الكليات والأقسام وإدارات الجامعة منذ أيام  بما كانوا عازمين عليه من وقف الدراسة وقفل مدخل الجامعة إذا لم يُنظر إلى مطالبهم، وأنهم لجؤوا إلى هذا الأسلوب مضطرين ، وهم أنفسهم غير راضين عما يجري  ، اضطروا إليه بعد أن حاولوا بوسائل شتى  ، مرارا وتكرارا أن يجدوا آذانا صاغية لمطالبهم من المسؤولين ، سواء في داخل الجامعة وعلى رأسهم رئيس الجامعة ، أو خارجها من الوزارات المعنية ، كوزارة الداخلية ووزارة التعليم العالي. 

عندما سمعت كلامهم لمت نفسي وأنبتها، فلا أخفي أنه كان تبادر لي، وربما تبادر إلى  الكثيرين غيري ممن وجدوا أنفسهم مثلي وسط  هذا الزحام - أن  مطالب المحتجين بقفل الطرقات لا يختلف عما تعودناه على مدى الشهور الماضية، كلها  مطالب شخصية ، أو جهوية تتعلق بمنح ومكافآت أو مرتبات أو تنصيب مسؤول وعزل آخر أو أن هذه الإدارة أو المؤسسة يجب أن تكون هنا أو هناك !!!

لكن المفاجأة  التي لم تكن في الحسبان أن الطلاب كانوا أرقى من مسؤوليهم ، وأكثر  حرصا منهم على مكانة الجامعة  وسمعتها، كانوا يشكون  تقصير وتهاون المسؤولين في الحفاظ على الفضيلة داخل الحرم الجامعي، يشكون تدهور  الأخلاق وغياب القيم، بصورة لم يعودوا قادرين على تحملها والصبر عليها لذا هم قفلوا الطرقات واظهروا احتجاجهم ، تكلم الشباب في هذا الخصوص عن جرائم ترتكب داخل الحرم الجامعي، لم تقف عند التحرش الجنسي والأذى بالكلام ، بل تعدته إلى العنف والاغتصاب داخل الجامعة ، تكلموا على انتشار للحشيش والمخدرات والخمور بصورة مخيفة وعن  بنات يُسوّقونه ، وأن من تُسند إليهم مهمة حفظ الأمن الجامعي طول المدة الماضية هم أنفسهم مسؤولون أيضا  عن هذا الفساد.

 ليس للجامعة حماية ولا احترام،  يدخلها كل من دب وهب وكل من معه سلاح. ليست الجامعة قاصرة على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس كما جرت العادة في الجامعات، هي مسرح ومرتع للمشاغبين وخريجي السجون وطالبي المتعة وبائعي الهوى من الجنسين.

من المسؤول يا ترى عن أن تكون الجامعة على هذا الحال؟ ولمصلحة من تستمر استباحتها؟ لا تأمن فيها بناتنا على أنفسهن على مرأى ومسمع من المسؤولين، وعلى الرغم من النداءات المتكررة من الخيّرين،  أمثال هؤلاء الطلاب القائمين الآن بالاحتجاج وقفل الطريق.

 أين الإعلام؟  لماذا لم يدخل الإعلام الجامعة ويذكر الحقائق  ويحذر من التدهور الأخلاقي؟ أم أن حماية الفضيلة لا تدخل ضمن رسالته.

أين الذين يتكلمون عن العنف ضد المرأة؟  لم لا يستنكرون هذا الاختلاط والتحرش والاعتداء المشين؟! 

أي تفريط  في أعز ما يملك الوطن؛  ثروته الحقيقية،  قيم شبابه وشاباته.

 يتحمل كبر هذا التفريط المسؤولون في رئاسة الجامعة، وفي التعليم العالي، ووزارة الداخلية،  والقائمين على الأمن في البلد،  وأولياء الأمور، بسكوتهم عن فلذات أكبادهم.  

تحية إلى شباب اتحاد الطلبة بالجامعة فإني وإن لم أتمكن من المحاضرة فقد  كنت قرير العين عدت أدراجي فخورا بهم أشعر بالاعتزاز بهم وبمطالبهم، العالية الهمة رفيعة القدر، التي أعطت وجها جديدا مشرقا لاتحاد طلاب ما بعد الثورة،  لقد قدم نفسه هذه المرة بأنه في مستوى المسؤولية، وأنه اتحاد طلاب القيم والفضيلة، وليس اتحاد  طلاب المشانق والتجسس وملاحقة الأبرياء وأوكار الرذيلة .

فمزيدا يا شباب الجامعة من التوفيق، لغرس الفضائل وإرساء القيم، وثباتا على الطريق، فما قمتم لأجله يثلج صدر كل غيور، وكلَّ من له في الجامعة رعية من أولياء الأمور.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الثلاثاء 2 شعبان 1434 هـ

الموافق 11-6-2013 م

 

التبويبات الأساسية