براءة الإعلام في مقال شمام!

بسم الله الرحمن الرحيم

عجبت من مقال كتبه محمود  شمام في الدفاع عن الإعلام، كتبه وهو يعلق على المؤتمر الصحفي  لرئيس مجلس الوزراء، عجبي منه من جهتين، وثانيهما أعجب من الأول:

الوجه الأول -  محاولة تبرئة الإعلام مما يُرمى به ، ويتلخص في التأجيج، وصب الزيت على النار عند كل احتقان تطل فيه قرون الفتن، والمكيال في تقويم الأمور بمكيالين، بل والإفتراءات والأباطيل من بعض قنوات الإعلام أحيانا - هذه التبرئة المطلقة للإعلام في المقال ، عن طريق التذكير بعيوب الآخرين، بداهة غير صحيحة، ولا تقنع أحدا.

فالناس عندما ينتقدون الإعلام ، لا يغيب عنهم أن الإعلام  متفاوت إيجابا وسلبا، وأنه ليس سواء،  فمنه من يخلط عملا صالحا وآخر سيئا، ومنه السيء، ومنه السيئ  جدا، يبث أكاذيب مفضوحة، ويقول عندما يسأل عن تلك الأكاذيب، إن مصادره فيها  صفحات (الانترنت) !!!!

 فمحاولة تبرئة الإعلام  جملة وتفصيلا، عن طريق إلصاق العيوب بالغير، تُذهب الثقة بالكلام جملة وتفصيلا.

والحل : أن نتقبل النقد بموضوعية، ونتحسس الخلل ، ونراجع أنفسنا ، لا أن نواجه النقد بهجوم مضاد، بعضه حقائق وبعضه تحامل، لأن ذلك يأكل من الرصيد.

الثاني - جاء في كلام الكاتب، وهو يدافع عن الإعلام قوله: "ليس الإعلام مٓنْ أَمَر ليبيانا والمدار أن ترسل رسائل مجانية  تحوي وجهة نظر بعينها"،  والظاهر أن  المقصود بهذا ما تبثه دار الإفتاء - التي لا تملك للأسف أي وسيلة إعلامية أخرى - من رسائل توجيه وتوعية للمواطنين.

زيادة عجبي من هذا الأمر الثاني، سببه عدم إدراك المثقفً اللليبي أن دار الإفتاء لا تمثل شخصا ولا جهة، فهي مؤسسة من مؤسسات الدولة، لها رسالة، تقدم من خلالها  دورا خدميا وتثقيفيا وتوعويا مُهما في حياة الناس لا غنى لهم عنه،لا يقل شأنا عن أي مؤسسة أخرى خدمية أو تعليمية ، كمؤسسة الكهرباء، أو الثقافة أوالإعلام ، أو هيئة  المياه ، أو الصحة العامة والنظافة.

فلو أن مؤسسة الكهرباء مثلا وجهت عبر شبكات الاتصال رسالة بترشيد الاستهلاك وقت أزمة انقطاع التيار هذه الأيام،  أو أن هيئة المرافق  والصحة حذرت من حرق القمامة في الهواء الطلق حفاظا على الصحة العامة، أو وزارة الثقافة والبيئة وجهت الناس إلى الحفاظ على الطراز المعماري  للمدن و المساجد، أو الحفاظ على الغابات، وسط الانتهاكات الصارخة  على كل ما هو  حضاري في البيئة  هذه  الأيام - لو أن لبيانا والمدار حملت رسائل  بما ذكر،  فهل ترى الكاتب يصف تلك الرسائل بأنها (تحوي وجهة نطر بعينها) ويغضب لأجل المال العام الذي بذل فيها (مجانا) أم أنه سيثني على مؤسسة الكهرباء ووزارة الثقافة، ويكبر فيهما العمل لقيامهما بما ينبغي عليهما عمله، وأنه يُقدم خدمة جليلة للمواطن، تحافظ على أمنه وصحته  وسلامته!! 

نص الرسالة التي وجهتها  دار الإفتاء إلى المواطنين - والشارع متأجج غاضب -  تقول: "دار الافتاء تُذَكِّر المواطنين بالتمسك بشرعية المؤتمر الوطني العام وألا ينجروا إلى مظاهرات مجهولة الهوية".

فهل الدعوة إلى التمسك بشرعية المؤتمر صارت اليوم  (تحوي وجهة نظر بعينها)؟ وهل يرى المنصف من نص رسالة دار الإفتاء خروجا عن سياق رسالة مؤسسسة الكهرباء؟ أو الثقافة والبيئة، أم هو الإعلام الذي يكيل بمكيالين؟!

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

٢١ رمضان ١٤٣٤ هـ

٣٠ يوليو ٢٠١٣

 

التبويبات الأساسية