بسم الله الرحمن الرحيم
كنا نظن أنّ مسلسل القتل الدمويّ في بنغازي - الذي امتدَّ طولَ حكومة علي زيدان والثني ووزراءِ عدلِها وداخليتها - ميئُوسٌ من السيطرة عليه؛ لعجزِ الحكومةِ الكاملِ عن الكشفِ، ولو عن حالةٍ واحدة، من مئاتِ حالاتِ الجريمةِ المُمنهجةِ، وتقديمِها إلى العدالةِ، بل في الشهور الأخيرةِ لاذتِ الحكومةُ بالصمتِ حيالَ هذه الجرائمِ، ولم تعدْ حتّى تستنكرُها.
فقد تركِت الحكومَةُ ووزراؤُها المعنيون مهامها في حفظ الأمن، ولاذت حياله بصمت مريب، ورضيت في الشهور الأخيرة بوضع نفسها تحت وصاية القعقاع والصواعق، في جمعية الدعوة الإسلامية، وعقد جلساتها من هناك.
وبعد بداية فجر ليبيا رحلت إلى طبرق لتحتمي بقوات انقلاب حفتر، بعد عجز انقلاب القعقاع عن حمايتها، وتكاد تكون أعمالها معطلة بالكلية، لم نرَ لها مِن عملٍ بالداخل، عدا قرارها الأخير بإيقاف القناة الرسمية والوطنية، عندما رأت تحررهما من هيمنة التحالف والثورة المضادة، وما عدا الإعلان عن بعض الاجتماعات مع من بقي معها من الوزراء في طبرق، التي لم يكن بالتأكيد في جدولها التخفيف مما يعاني منه الناس جراء الحرب الدائرة في طرابلس وبنغازي، مثل أزمة الوقود الحادة، أو توفير السلع والغذاء، أو علاج الجرحى وتعطيل المستشفيات، أو توقف العديد من الخدمات الحيوية في البلد كانقطاع لكهرباء وتوقف المواصلات، أو نزوح العائلات والمواطنين من مناطق الاقتتال.
تركَتْ ذلك كله وراء ظهرها، وانشغلت بتواصل مكثف مع العالم الخارجيّ، تجوبُ عواصمَ العالم، تستجدي التدخلَ الأجنبيّ لإنفاذِ الثورةِ المضادة، التي رأتْها تتهاوَى تحتَ ضرباتِ الثوار في طرابلس وفي بنغازي؛ لأن بإنقاذها تتحقق أهدافهم الانقلابية ويتواصل قتل المدنيين باسم حماية المدنيين!!
لعب الإعلامُ المموًّٓل المضلِّل هو أيضا دورا رئيسًا في دعم الثورة المضادة، بتأجيج الشارعِ على ما سمَّاه تارةً الإرهابَ، وتارةً الإخوانَ، تمهيدًا لقصفِ (خليفة حفتر) مدينةَ بنغازي بالطائراتِ، على مدى أكثر من شهرين، وأخيرا قبل البارحة تبنِّيهِ قصفَ مدينة طرابلس، محاولا إعطاء انقلابِه المشؤومِ الشرعيةَ الموهومةَ باسمِ الجيشِ والشرطةِ، ومارس بذلك أبشع صور الإرهاب باسم مكافحة الإرهاب.
المفاجأة بعدَ هذا كلّه، وبعد اليأس من السيطرة على الاغتيالات في بنغازي، وتستر الحكومة والإعلام عليها - أن نرَى مدينةَ بنغازِي تستقر وتتحسن أحوالها الأمنية تحسنًا واضحًا ملحوظًا، لَمِـِسه المواطنون، وعبّروا عنه في ساحة المحكمة، في جٌمع رفض الانقلاب.
وعادتْ بنغازي أكثر ثقة واطمئنانا وأملا في الاستقرار ، عادتْ مستشفياتُها ومؤسساتُها الأمنيةُ وَالجمركيةُ والخدميةُ للعمل بكلّ ثقةٍ، ورجعَ أهلُها صغارًا وكبارًا إلى ساحةِ الحرية كالعادةِ، في جموعٍ هادرةٍ ملتحمةٍ مع (فجرِ ليبيا) ومجلس شورى ثوار بنغازي، تندّدُ بالانقلابيين، بعدَ أن حررَها الثوارُ مِن أذرعِ الثورةِ المضادةِ، التي كانت تُهيمنُ على مؤسسَتِها الأمنيةِ، وتمدُّها الحكومةُ بالدعمِ السخيّ، وتتستَّر عن جرائمِ الذٌبْحِ والاختطافِ اليوميّ المنظَّم، فهلْ عرفَ المواطن الآنَ مَن الذي كانَ يقتلُ مدينةَ بنغازِي؟!
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الجمعة 25 شوال 1435 هـ
الموافق 22 أغسطس 2014 م