بسم الله الرحمن الرحيم
إن دار الإفتاء أدانت وتدين على الدوام كل جرائم الخطف في الشرق أو الغرب أو الجنوب، وتعتبر أصحابها محاربين، قطاع طرق من الساعين في الأرض بالفساد، أعداء لله وأعداء لوطنهم، ويجب الأخذ على أيديهم وتطبيق أحكام الله فيهم.
وقد تألمنا أشد الألم لحادث اختطاف الشيخ #نادر_العمراني عضو مجلس البحوث من أمام مسجد الفواتير، وصلاةُ الفجر تقام، حيل بينه وبين دخول المسجد من عصابة مجرمة آثمة في جريمة حرابة نكراء!
هذه الجرأة على عالم في مكانة الشيخ نادر، وسط جموع المصلين الذين لم يقدروا على نصرته، ولا ربما حتى أن يتقدموا ببلاغ للنائب العام بما رأوه من مشهد الجريمة وأوصاف المجرمين للتعرف عليهم وتقديمهم للعدالة - أمر محزن حقا.
فهم إن كانوا معذورين في عدم القدرة على النصرة ولو بالصراخ أو التكبير في وجوه المجرمين، فلن يكونوا معذورين في عدم تقديم البلاغ، لأن هذا أقلُّ ما يمكن من تغيير المنكر، وهو واجب على كل أحد بما يقدر عليه.
أن يؤخذ أحد علماء ليبيا البارزين بهذه الصورة نذير شؤم، ويبعث برسائل غاية في الخطورة على البلد بأسره.
الأولى:
إن السلبية التي نرى عليها الناس على مختلف مستوياتهم تجاه مُنْكر بشع كهذا، وتركه يمر ولا يقدرون حتى أن يخرجوا في وقفات احتجاج عليه، ينذر بعقوبة قد تأتي علينا جميعا، قال صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ}، وقال تعالى: { وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وقال صلى الله عليه وسلم: ( لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ، ثُمَّ يَدْعُو خِيَاركُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ).
إن السكوت عن هذه الجريمة وأمثالها تجعل أعداء الله وأعداء الوطن يستسهلون غيرها ويبلغون الهدف الذين أرادوه منها، وهو استهداف المؤسسة الدينية.
الرسالة الثانية:
الاعتداء على عالم في مكانة الشيخ نادر، يعطي مؤشرا لكل الخبرات الليبية في كل التخصصات الشرعية وغير الشرعية، ولكل الخيرين من التجار ورجال الأعمال وأهل المال، أن هذه البلدة صارت من القرية الظالمي أهلها، فيتركونها فرارا من الظلم وأهله، وقد رأينا هجرة الخبرات والعقول في عهد القذافي وأثرها المأساوي على البلد الذي لا زلنا نعاني منه إلى الآن الأمَرَّيْن وفي كل المجالات.
إن هذا الحادث المروع وأمثاله يبعث بتحذير عاجل لكل مواطن أنه لم تعد هناك عائلة يأمن فيها الآباء والأمهات والزوجات والبنات والأخوات أن يفجعهم في أي لحظة خبر باختطاف عزيز عليهم، ويبعث بتحذير بالخصوص لكل من يسترخي الآن ولا يكثرت بما يجري، ولا بالخطر الداهم الذي لن يستثني أحدا!
المشروع المعد لليبيا للتمهيد لحكم العسكر لن يستثني عالما ولا طالبا ولا ثائرا ولا تاجرا ولا إعلاميا ولا صحفيا ولا امرأة ولا عسكريا ولا شرطيا، لقد رأينا ما فعلوه بكل هده الشرائح في بنغازي، ولنا فيما فعله القذافي وعسكره لرفاقه عبرة!
من بقي من رفاقه ممن لم يتخلص منه أذَلّه أيما إذلال، فلا يظنن أحد من المعاونين على هذه الجرائم أنه منها بمنجى، ومن نجى بنفسه وتجنس خارج البلد فلن تنجو ابنته وصهره وعمته وخالته، وسيستمر العسكر يقتل ويدمر باسم الإرهاب، لأنها المهمة المكلف بها، ولن يتوقف حتى لو عبد الناس الأصنام.
الرسالة الثالثة:
المؤمل من كل الأطراف الحريصة على الوطن أن تدرك الخطر المحدق، وتتعاون على دفعه، فلا وقت للتلاوم على الماضي، فالنار بدأت تلتهم الثياب، #رص_الصفوف حول مشروع وطني بديل، دون تدخل الأجنبي، تُتَجَنّب فيه ملفات الخلاف، ويَتفق عليه الجميع، ويَجد الناس فيه طوق النجاة.
الرسالة الأخيرة:
على المخططين والمدبرين والمنفذين لهذه الجريمة النكراء وغيرها من جرائم الخطف، أن يعلموا أنهم بهذا العمل الغادر يبيعون وطنهم ويقدمون خدمة رخيصة لأعداء الله، شعروا أو لم يشعروا، ولا يريدون بليبيا ولا أهلها خيرا، وأن الظالم، أفرادا أو دولا، لن يفلت من العقاب، حتى الدول التي تعبث مخابراتها بأمن ليبيا ومصيرها، سواء كانت من بلاد العرب، بلد الخليج أو من غيرها، سينتقم الله منهم، ويسلط الله عليهم مخابرات دول أخرى أقوى منهم وأشد، فإن الله توعد أن يسلط الظالمين على الظالمين { وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد} { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ).
وعلى الظالم تدور الدوائر …
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
11 محرم 1438 هـ
12 أكتوبر 2016 م