بيع السيارات للمحتاجين

السؤال: 

السلام عليكم فضيلة الشيخ، ظهر عندنا في ليبيا أشكال مستجدة من المعاملات وأحدها هو الذي أريد أن أعرف حكم الشرع فيه، حيث تقوم الدولة من حين لآخر بمنح ميزة لبعض فئات من المجتمع ، هذه الميزة تتمثل في استيراد سيارات لتلك الفئات بأسعار مخفضة مدعومة من خزينة المجتمع ، بدعوى مساعدة الناس ظاهريا والحقيقة أن هناك الكثير من الملابسات سأسردها عليكم يتم هذا الأمر وفقا للإجراءات التالية:
أولا: يتم الإعلان عن هذه السيارات لفئة محددة من المجتمع بأن يحدد نوع السيارة ومواصفاتها والمبلغ المطلوب دفعه من المواطن. ثانيا: تجمع المبالغ المدفوع من المواطنين مقابل السيارات. ثالثا: تخاطب الجهة المستوردة وزارة المالية كتابيا بطلب تحويل باقي ثمن السيارات الذي ستتحمله الخزانة العامة. رابعا: بعد أن تستوفي المؤسسة المكلفة بالاستيراد كامل الثمن المطلوب للسيارات من المواطن والخزانة العامة تقوم بفتح اعتماد وتستورد السيارات ثم تسلمها لأصحابها. وإليكم بعض جوانب الموضوع الأخرى كثيرا ما يضطرب سوق السيارات بسبب هذه الأعمال ويتضرر البعض ويستفيد البعض الآخر بشكل غير عادل ، وكثيرا ما تباع السيارات بأسعار تقل عن التكلفة الأمر الذي يضر بالتجار الذين يعملون في استيراد السيارات. المسؤولون عن إدارة المؤسسات المستوردة للسيارات يتمتعون بقدر من الصلاحية في التصرف في عدد من السيارات حيث يبيعونها لمن يشاؤون ومن يتحصل على سيارة قد يتحصل على ربح يعادل مرتب سنتين أو أكثر. يلاحظ أنه إذا ما قامت الدولة بإعطاء قيمة الدعم الذي تدفعه من أجل استيراد السيارات مباشرة إلى المستفيدين في صورة نقدية بدلا من هذه الدورة الطويلة ، إذا ما دفعته لهم في صورة نقدية لكان أفضل لهم وأوفر على الدولة في المصاريف وانفع للناس إذ غالبيتهم لا يريدون الاحتفاظ بالسيارات ولا يرغبون في اقتنائها وإنما يقبلون على شرائها للاستفادة من الربح الكبير الذي سيحصلون عليه من بيع هذه السيارات جراء دعم الخزانة العامة لها، لذلك إذا ما أعطي لهم نفس قيمة الدعم في صورة نقدية لكان أفضل لهم ومن أراد منهم شراء سيارة يستطيع أن يضيف ما تحصل عليه من الدولة إلى ما لديه ويتوجه إلى السوق ليشتري السيارة بسعرها العادل هذا الإجراء من شأنه أن يؤدي إلى المحافظة على استقرار السوق وعدم الإضرار بالتجار . بعض الأفراد الذين تتاح لهم هذه الميزة ويتحصلون على أحقية حجز إحدى السيارات سواء كونهم احد الفئات التي أريد نخصيصهم بهذه الميزة أو تحصل على الميزة من خلال علاقته بالمسؤولين في المؤسسات العامة ، بعض هؤلاء لا يملكون كامل المبلغ المطلوب منهم مقابل السيارة ، ونظرا لأنهم يخافون من ضياع هذه الفرصة عليهم ، يبحثون عن من يمول الصفقة بحيث يقوم الممول بدفع قيمة السيارة ثم يقتسمون الأرباح علما بان الأفراد الذين لا يملكون المال لا يلجؤون إلى الممولين إلا لحاجتهم إلى التمويل فقط وليس لقلة خبرتهم بالسيارات أو التجارة أو لعدم توفر الوقت لديهم ، لأن المسألة في غاية البساطة ادفع الثمن المطلوب وعندما تستلم سيارتك بعها في نفس الوقت بربح مجزئ ، وأيضا الممولون لا يلجؤون إلى أولئك الأفراد إلا لعدم تمكنهم من الحصول على السيارات مباشرة من المؤسسات العامة التي تمنح المزايا ، هذا واختلفت الآراء كثيرا حول مدى شرعية هذه المعاملة البعض اعتبرها شركة هذا منه المال وهذا منه الميزة التي تحصل عليها ، والربح بينهما مشاعا مناصفة او حسب ما اتفقا عليه ، والبعض اعتبرها بيعا على أساس ان الممول اشترى السيارة من صاحب الميزة وفي هذه الحالة يحدد الربح لصاحب الميزة مقدما، والبعض لم يعتبرها شركة ولا بيعا وإنما اعتبروها أن الممول يعوض صاحب الميزة عن تنازله عنها لصالحه بمعنى آخر يقول الممول لصاحب الميزة خذ 500 مثلا وتنازل عن السيارة لي. يقوم البعض بممارسة دور الوسيط بين الممولين والمتحصلين على أحقية الحصول على السيارات ( أصحاب الميزة ) مقابل نسبة أو مبلغ ثابت.
السؤال : ما حكم الدخول في هذه المعاملات مع الدولة في حالة امتلاك المال وفي حالة عدم امتلاكه ما حكم المشاركة مع أصحاب الأموال وما هي الصيغة الصحيحة للمشاركة إذا كان من تحصل على الميزة لا يملك المال ومن يملك المال لم يتحصل على الميزة خاصة وان البعض في ضيق من العيش ، وما حكم الوسيط؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
المحاذير الشرعية الحقيقية لهذه المعاملة تتمثل في الآتي:
1 ـ يتم بيع السيارات للمواطنين من قبل المستوردين قبل تملكها والتعاقد عليها من الخارج.
2 ـ الجهالة التي يشتمل عليها العقد، فلا يُذكر للمشتري حين التعاقد الأجل الذي يستلم فيه السيارة، بل أحيانا لا يُعرف حتى الثمن النهائي ولا نوع السيارة، وكثير من الناس دفعوا مبالغ على أنها الثمن النهائي ثم طُلب منهم بعد مُضي مدة طويلة دفع مبالغ أخرى لم تكن في حُسبانهم، ومن الناس من انتظر عددا من السنين ثم يئس من استلام السيارة وصار يبحث عن رد ماله أو عن من يشتري منه الإيصال ليبيعه الغررَ الذي اشتراه، أو يرده فلا يجد، وهذه الجهالات كلها في العقد تجعله فاسدا لا يجوز الإقدام عليه، وعلى من أراد أن يُقدم على هذا التعاقد أن يطلب من الجهة المستوردة (البائع) أن تكتب له في الإيصال الثمن النهائي للسيارة وأجل التسليم، وأن يَطّلع قبل التعاقد على أنهم تعاقدوا بالفعل على شراء السيارات من الخارج ليجوز له الإقدام على ذلك ويصح العقد.
3 ـ تمويلُ مَنْ عِنده المالُ لمن يتمتع بالحق في الشراء لا يُمكن تكييفه على أنه مشاركة أو قراض، لأنه كما جاء في السؤال: أن الأفراد الذين لا يملكون المال لا يلجؤون إلى الممولين إلا لحاجتهم إلى التمويل فقط، وليس لقلة خبرتهم بالسيارات أو التجارة، أو لعدم توفر الوقت لديهم، لأن المسألة في غاية البساطة، ادفع الثمن المطلوب وعندما تستلم سيارتك بعها في نفس الوقت بربح مجزئ، وأيضا الممولون لا يلجؤون إلى أولئك الأفراد إلا لعدم تمكنهم من الحصول على السيارات مباشرة من المؤسسات العامة التي تمنح المزايا.
والتعامل على هذه الصورة حكمه حكم القرض، لا القراض والمشاركة، وذلك لتعين السلعة وتعين ثمنها وتعين بائعها.
فمن عقد على سلعة ولم يجد الثمن فأدخل معه شريكا فيها فهو قرض لا قراض، قال خليل رحمه الله: (وبعد اشترائه إن أخبره فقرض)، وصورتها كما في شرح الزرقاني: (أن يسأل رجلٌ آخرَ مالا ينقده ثمن سلعة ابتاعها لنفسه، وتكون قراضا بينهما، فدفع له بعد اشترائه، فالحكم أنه إن أخبره بالشراء فقرض فاسد، يلزمه ردُّه لربه عاجلا، كما تفيده المُدوّنة، ولا يَلزم ربَّه أن ينفع به العامل مُدّة كالقرض، لأنه لم يقع على القرض ابتداء، والربح للعامل ـ أي لصاحب الحق في السيارة ـ والخسارة عليه).
وكذلك إن سَمَّى من له الحق في السيارة للممول السلعة وثمنها وبائعها فهو أيضا قرض لا قراض ولو كان ذلك قبل الشراء، فلا يجوز للممول أخذ شيء زائد على رأس ماله لأنه يكون من القرض بفائدة، قال خليل عاطفا على الصور الجائزة: (وادفع لي فقد وجدت رخيصا أشتريه)، قال شراحه: لكن محل هذا إذا لم يسم له السلعة ولا البائع، وإلا فهو قرض (انظر شرح الزرقاني على مختصر خليل 6/218).
وما دامت المعاملة بهذه الصورة فاسدة لما ذكر فالوساطة فيها أيضا فاسدة لا تجوز شرعا، أما ما ذكرته من استغلال بعض المسؤولين وظائفهم للحصول على امتيازات مخالفة للوائح فهو أيضا لا يجوز شرعا لما فيه من التعدي على المال العام.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

تاريخ الإجابة: 
الاثنين, يونيو 28, 2010

شوهدت 1226 مرة

التبويبات الأساسية