رد شبهات فيها الطعن في القرآن الكريم

السؤال: 

يرجى إخباري عن هذه الصفحة، هل هي تحت إشراف الشيخ الصادق الغرياني مباشرة وتعد صفحته الرسمية أم لا؟ لأني تركت الإسلام وقيل لي أنني يجب أن أتكلم مع الشيخ الصادق لذلك أتمنى الرد قريبا ..

رسالتي:

كان لدي حب للدّين منذ صغري وحب للبحث العام، فأنا لدي شغف عميق بالقراءة، أقرأ في الطبيعة وأسرار الكون والفلك والفيزياء والفلسفة، نمى لدي حب الاطلاع وأصبح يسبب لي كثيرا من المشاكل في فهم الإسلام، إلى أن آل بي الحال إلى تركه مؤخرا، لقد عصفت بي أفكار إلحادية وسيطر عليّ الفكر الربوبي في نهاية المطاف "وهو فكر يؤمن بوجود إله للكون دون الحاجة للرسالات السماوية فهو يعتقد أن السبيل الوحيد للإيمان بهذا الخالق هو العقل الذي استودعه الرب في عباده".

كثيرا ما شككت في حفظ القرآن، وخصوصا عند قراءتي للناسخ والمنسوخ، أقول في نفسي ما الداعي له، ما الحاجة إلى نسخ الحكم والتلاوة معا وهو الذي يعني تنزيل آية وإلغاءها واستبدالها بآية محلها، وهناك أيضا من يقول بعدم الحاجة إلى استبدال الآية المنسوخة بآية محلها أصلا، فيجوّز بذلك رفع آيات كثر من القرآن إلى غير بدل، هناك نوع آخر من الناسخ والمنسوخ مألوف ومتفاهم عليه بين المسلمين وهو نسخ الحكم دون التلاوة وهو الموجود في القرآن وهو عبارة عن تدرج في التشديد أو التخفيف كالتدرج في تحريم الخمر وهو تدرج تشديد أو التدرج في رفع فرض صلاة قيام الليل وهو تدرج في التخفيف، إن هذا النوع من النسخ مفهوم فهو منطقي يقبله العقل للحاجة الكبيرة التي يحتاجها الإنسان في التدرج في الأحكام سواء كانت روحية أم كانت أحكاماً تشريعية تنظيمية لحياة الإنسان، فأنا أفهم هذا النسخ لعدم الحاجة فيه لإلغاء آيات من القرآن، الاعتقاد بأن القرآن ألغي منه آيات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أدخل الشك الكبير على قلبي، فإن كان الله نسخ أحكاما واستبدلها بأحكام أخرى دون الحاجة لإلغاء الآيات كنسخ الحكم دون التلاوة، فما الحاجة أو ما الحكمة من وجود نوع آخر من النسخ يسمح بإلغاء آيات من القرآن كنسخ الحكم والتلاوة معا، فإن النسخ في المجمل معناه رفع حكم واستبداله بحكم آخر، فإن أمكن وقوعه في القرآن عن طريق إبقاء الآيات وحفضها من الضياع لماذا يوجد نسخ آخر وهو نسخ الحكم والتلاوة معا الذي يقضي بإلغاء الآيات من القرآن وضياعها، وأيضا هناك نوع أخير من الناسخ والمنسوخ وهو أغربهم ويستحيل قبوله عقلا، وهو نسخ التلاوة دون الحكم، فكيف نقبل على سبيل المثال أن يضع أحد لنا قانون يرقمه برقم معين ثم يقول لنا أنه سيستبدل ذلك القانون بقانون آخر ثم يرجع ويؤكد أن القانون الذي ألغي أو الذي أبطل أو رفع لا يزال قيد التنفيذ والتطبيق، أنا لا أفهم كيف يقال أن آية الرجم نسخت ولكنها مازالت قيد التنفيد، إن كانت تلك الآية قيد التنفيذ وحكمها باق لماذا لم تحفظ في القرآن، لماذا تم رفعها؟ أيضا كيف يمكن أن أقول أن الله أنزل آية في القرآن تحمل حكما فقهيا واستبدلها بآية أخرى تحمل حكما فقهيا آخر كآية العشر الرضعات المعلومات التي نسخت بخمس، فالحديث يقول أن آية الحكم بتحريم العشر الرضعات نزلن ثم نسخن بخمس، ولكن كِلا الآيات الناسخة والمنسوخة لا يوجد لهما أثر في القرآن رغم تأكيد عائشة أن الآيات الناسخة لحكم العشر الرضعات بخمس كانت تتلى حتى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث يقول (كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات...) والذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن السيدة عائشة فهذه الآية ليست موجودة في القرآن الكريم الآن، وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهن فيما يقرأ من القرآن) فإن كان القرآن محفوظا من قبل الله؟ كيف نُسخَ الحكم الأول بحكم آخر، ولا وجود لكليهما في القرآن؟ وأيضا في صحيح البخاري :في آخر خطبة طويلة لعمر بن الخطاب أنه قال: (إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله تبارك وتعالي ألا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم وفي صحيح مسلم: من حديث أبي موسى الأشعري أنه دعا قراء البصرة فجاءه ثلاثة مائة كلهم يقرأ القرآن فقال: (يا معشر القراء أنتم خيار أهل البصرة أتلوا القرءان ولا تناموا عنه أو تتركوه فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من سبقكم وإنه كان مما نقرأ سورة في الطول والشدة كبراءة، أذكر منها لو كان لابن آدم واديان من مال لبتغى ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) وذكر آية أخرى .والسؤال هنا لماذا ألغيت هذه الآيات مع المطالبة بالعمل بها؟

أود القول في النهاية أن عدم إيجاد أجوبة مقنعة لأسئلتي كان هو السبب الرئيسي في تركي للإسلام ناقشت الكثير من المشايخ ممن تم نصحي بمناقشتهم ولكني لم أجد الأجوبة المقنعة بالنسبة لي، كان الرد دائما وعضيا لا عقلانيا، لا أريد أن أؤمن بالإسلام فقط لأنني ولدت مسلمة، أو لأن الإسلام يدعي بأنه الدين الصحيح، كل الذي أريده هو أجوبة منطقية لأسئلتي تثبت حجية الإسلام وضرورة اتباعه للنجاة

الجواب

هناك مسلمات لدى المسلمين قاطبة إذا نظرت إليها السائلة بعين الإنصاف قد تعينها على الخروج من الحيرة التي أوقعت فيها نفسها ولا تدعوا إليها ضرورة عقلية ولاشرعية كما تصورت.

      من هذه المسلمات:

     أولاً: القرآن الذي تكفل الله تعالى بحفظه له تعريف محدد متفق عليه هو : "كلام الله تعالى الذي نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم باللفظ العربي الموجود بين دفتي المصحف، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبد به، المتحدَّى بأقصر سورة منه، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس ".

     فالتعريف المذكور يبين شروطا أساسية تحدد ماهية القرآن وحقيقته، فما خرج عنها أو عن واحد منها ليس بقرآن، ومالم يكن قرآنا لا يدخل في الحفظ الذي تكفل الله تعالى به، و من هذه الشروط الأساسية:

أ/ أن تكون كل كلمة من القران منقولة إلينا ن بالتواتر الذي ترويه جماعة مستفيضه عن مثلها من أول السند إلى منتهاه يستحيل تواطؤهم على الكذب، ويقطع العقل بضرورة صدقهم، كما يقطع الواحد منا ضرورة بوقوع الحرب العالمية الأولى، لكثرة ما سمع عنها  وأخبر بها، وإن لم يشاهدها.

ب/ أن يكون هذا الكلام الذي هو قرآن بين دفتي المصحف الشريف، فكل نص ليس بين دفتي المصحف فليس بقرآن وإن كان في صحيحي البخاري ومسلم أو غيرهما، وما ذكرته السائلة من كلام عائشة رضي الله عنها لم يكن في المصحف فليس مما تكفل الله تعالى بحفظه وليس بقرآن. 

  • تحاكمت السائلة إلى عقلها، وذكرت الآيات المنسوخة من كتب السنة النبوية في رجم الشيخ والشيخة إذا زنيا، والتحريم بعشر رضاعة ثم نسخها بخمس رضعات، وانتهت إلى أن هذا النسخ غير مقبول عقلا، الأمر الذي جعلها تركتِ الإسلام، ورأت بناء عليه أنه دين غير مقنع.

أقول: إن العقل الذي تحاكمت إليه السائلة في اتخاذ هذا القرار الـمَصِرِي الخطير لو أعملته بحياد وموضوعية وتجرد قد لا يُوصلها بالضرورة إلى ما انتهت إليه، وذلك لما يأتي:

  1. اتفق جمهور الفقهاء على أن رجم الزاني المحصن ثابت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم لا بالقران، وهذا يدل على أنَّ آية الشيخ والشيخة منسوخة تلاوة وحكما، ووقوع النسخ في القرآن مقطوع به دل عليه القرآن الذي تكفل الله بحفظه بقوله تعالى: )ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها( )والله يحكم لا معقب لحكمه( )لا يسأل عما يفعل وهم يسألون(   وما ورد من أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  كان يقرأها بعد موته صلى الله عليه وسلم لا يصح لما سنبينه، ولو صح فهو غير قادح في كون الآية منسوخة؛ لأنه لا يمنع أن يكون من كان يقرأها لم يبلغه النسخ، فلما بلغه انتهى.
  2. المسائل التي بدا للسائلة منها التناقض حسب قولها هي مسائل اجتهادية فيما دلت عليه، فيها مساحة للاختلاف؛ لأنها ليست من القطعيات التي يكون المكذِّب بها مكذبا للقرآن، ولذا اختلف العلماء في القَدْرِ الذي يقع به التحريم من الرضاع، وسبب الخلاف التعارض بين عموم القرآن في قوله تعالى )وَأُمَّهَاتِكُم منَ الرَّضَاعَةِ( وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خمس رضعات يحرمن).

3. المحققون من المحدثين والأصوليين يقولون: إن هذا النص (عشر رضعات يحرمن...الخ) لا يثبت قرآنا؛ لأن القران لا يثبت إلا بالتواتر، ولا يثبت حكما على أنه سنه؛ لأن الراوي روى أنه قرآن لا خبر؛ ولم ترفعه عائشة صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا هو قرآن ولا هو حديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من قولها رضي الله عنها، وقد اختُلف عليها في العمل به كما يقول ابن عبدالبر في التمهيد[8/268]، وقولها: (توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يتلى) على فرض صحته، - وهو لا يصح- معناه أنه: من القرآن المنسوخ، أي: يتذاكره الناس ويتناقلونه على أنه من المنسوخ، ولو أرادت من القرآن الثابت لاشتهر عن غيرها من الصحابة كما اشتهر عنها.

4. زيادة (فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ) زيادة منكرة تفرد بها عبدالله بن أبي بكر، وهو وإن كان ثقة لكنَّه خالف من هو أوثق منه فقد جاء الحديث عند مسلم [2/513] من طريق يحي بن سعيد الأنصاري عن عمرة وليس فيه هذه الزيادة ورواه ابن ماجه [1/625] والطحاوي في مشكل الأثار [713] من طريق القاسم بن محمد عن عمرة بدون هذه الزيادة أيضا، وكل من يحي بن سعيد والقاسم بن محمد أوثق وأحفظ من عبدالله بن أبي بكر حتى لو انفرد بالمخالفة، فكيف وقد اتفقا على مخالفته، والثقة إذا خالف من هو أوثق منه تكون زيادته منكرة يراجع مشكل الأثار [10/171]، ومالك رحمه الله الذي رويت هذه الزيادة من طريقه عن عبدالله بن أبي بكر لم يعمل بالحديث وقال بعد أن رواه في الموطأ: "وليس عليه العمل".

 وما قيل في حديث خمس رضعات يقال في حديث الشيخ والشيخة، وحديث لو كان لابن   آدم واديان من ذهب وأشباهها.

فحال من يترك الإسلام من أجل ورود بعض ما رأته السائلة تعارضا - وهو من المسائل الفرعية الاجتهادية - حاله أشبه بالأب الذي كثرت عليه الأعباء، وتزاحمت عليه طلبات أبنائه ورآها متعارضة، فقرر أن يترك البلد ويفر منها عجزا عن التوفيق بينهم، فهل قراره في هذه الحالة يكون قرارا عقلانيا يرقى إلى مستوى الأمانة التي حُمِّلها بمقتضى الأبوة والقوامة.

أم أن هناك حلولا أخرى تتفق مع المسؤولية الملقاة عليه كان عليه أن يبحث عنها ويختارها؟؟!!

والله أعلم.

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

تاريخ الإجابة: 
الثلاثاء, يونيو 19, 2012

شوهدت 10745 مرة

التبويبات الأساسية