النازحون هل تتحول قضيتهم مزمنة ؟ !

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

المجلس المحلي للنازحين من أهل تاورغاء أبدوا خوفا شديدا من أن تؤدي الحالة اللاإنسانية التي يعيشها النازحون في مخيماتهم إلى أوضاع خطيرة، فهم يقولون طال بهم الأمر على هذا الحال حتى دبّ إليهم اليأس ، فلا العدالة التي يتطلعون إليها بإحالة الجناة منهم إلى محاكمة عادلة تحققت، ولا الحكومة نظرت إلى أوضاعهم فحلت لهم مشاكلهم الحياتية، وهي مشاكل حقيقية ملحة ذات طابع إنساني مرتبطة بضرورات الحياة لا تحتمل مزيدًا من الانتظار، ولا يقدر الناس على الصبر عليها هذه المدة الطويلة.

مما قالوه إنه مضى على محنتهم الآن أكثرُ من عامين، وهم يعيشون في ظروف سكنية سيئة للغاية، والدولة ليس فقط لم توفر لهم مساكن لائقة، بل لم يحسوا من كبار المسؤولين اهتماما حتى بتفقد أحوالهم، على حين أن هناك جهات دولية ومحلية تتردد عليهم في مخيماتهم، وتحاول أن تستغل قضيتهم بما يشعرون أنه يضر بالوطن !!

 

ومنها أن كثيرا من أبنائهم إلى حد الآن لم يلتحقوا بالدراسة، لأنهم كانوا يدرسون بمدينة مصراتة ولم يتحصلوا على إفادات بمستواهم الدراسي.

ومنها أن عددا كبيرا منهم لم تصرف مرتباتهم ولم يتمكنوا من الالتحاق بمقار أعمالهم، ولهم أسر محتاجة يعولونها.

هذا وغيره من المشاكل الحقيقية التي يعانونها مع استمرار تجاهل الدولة لهم جعل الأهالي من النازحين يقدمون على اتخاذ قرار، وهو العزم على رجوعهم إلى منطقتهم بتاورغاء يوم 25-6.

أقول وصولهم إلى هذ القرار أمر خطير، يعكس حالة اليأس التي يعيشونها، والفشل الذريع من جميع الأطراف في بعث أمل للنازحين في حل قضيتهم.

والآن لمعالجة الأمر المتأزم أرى أن من الحكمة اتخاذ الخطوات الآتية:

أولا- القرار الذي اتخذه آهل تاورغاء بالرجوع على الرغم من المبررات التي ذكروا أنها اوصلتهم إليه وأنها مبررات حقيقية- فهو قرار خاطئ ينبغي التراجع عنه، لما تترتب عليه من عواقب وخيمة، وتداعيات خطيرة، تُدخل المنطقة في حرب أهلية طاحنة ومزيد من سفك الدماء البريئة.

ثانيا - من جانب الحكومة عليها أن تتحمل مسؤولياتها في معالجة قضية النازحين، فإن دماء هؤلاء المغلوبين على أمرهم إذا أقدموا على اتخاذ أي خطوة يائسة هي في أعناق الحكومة والمسؤولين، كل بقدر مسؤوليته، وسيقتص لهم الله تعالى منهم ، ويسأل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، وسِتْرُ هذه العائلات في مساكن لائقة، والإفراج عن مرتباتهم، وتمكين أولادهم من الدراسة – كل ذلك واجب شرعي على الحكومة، يسبق كل مشروعاتها وذلك إلى حين أن تتم المصالحة الوطنية النهائية، التي لا يُدرى متى تكون.

ثالثا - من جانب المؤتمر الوطني العام، هو أيضا عليه أن يتحمل مسؤوليته عاجلا بإخراج القوانين اللازمة للعدالة الانتقالية، وتشكيل قضاء نزيه يتولى البث في قضاياهم التي صارت كأنه يراد لها أن تكون مزمنة لا حل لها، حتى تفرض واقعا جديدا في البلد، وإلا فما معنى هذا التباطؤ ؟!!

رابعا- لجان المصالحة لن يكون لها دور فعال إلا بعد تحقيق العدالة، فقبل العدالة والقصاص وتعويض الضرر لن تتم مصالحة، وآيات القرآن ترشد إلى هذا الترتيب، فإن الله تعالى يعطي أولا للمظلوم حق القصاص، ثم يدعوه بعد ذلك إلى العفو والتسامح، وليس العكس ، قال تعالى (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) وقال تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) ثم قال (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ).

خامسا- على كل من أهل تاورغاء وأهل مصراتة، وكذلك غيرهم من المناطق التي نشأ عنها نازحون، بسبب معارك التحرير، مثل المشاشية، والزنتان، وككلة والقواليش، أو غيرهم من مناطق الجنوب، عليهم أن يقبلوا جميعا مهما كانت الآلام التي عانى منها الطرف المتضرر - أن يقبلوا في تسويةِ ما جرى بينهم التحاكمَ إلى شرع الله تعالى، القائم على العدل والقصاص، وجبر الضرر، والقائم كذلك على قوله تعالى ( أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أٌخْرَى ) ( وَلَا تَكْسِبُ كُلٌ نَفْسٍ إِلّا عَلَيْهَا) .

ولا تَحْملهم مرارة الآلام الدامية على أن يحيدوا عن شرع الله في الحكم. وأن يضع كل واحد من الفريقين نفسه بدل الآخر ليعين نفسه على العفو وكظم الغيظ ويرتقي بها إلى الجنان ورضوان الله قال تعالى (سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) وقال تعالى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (ليس الشديد بالصرَعة لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب).

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الجمعة 12 شعبان 1434 هـ

الموافق 21 يونيو 2013 م

 

التبويبات الأساسية