بنغازي الجريحة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

    قصفُ بنغازي بالطائراتِ والمدفعية الثقيلة، مِن قواتٍ لا تعترفُ بسلطةِ الدولة؛ جريمةٌ نكراءُ، لا يمكنُ أن يكونَ مقبولًا، مهمَا كانَت مبرّراتُه، وعلى كلِّ أهلِ ليبيا وثوَّارِها الأبطالِ - وقدْ عجزَتِ الحكومَةُ -  أن يَهُبّوا لِنجدَتِها.

 

إنه لَأَمرٌ مَعيبٌ، أن تُعطَى شرعيةٌ ممّا يسمّيه الإعلامُ: (الشارِع)، لِهذا القصفِ العشوائيّ المروّع، ولانتهاكِ سيادةِ الدولةِ التي ارتضاها الناس، تحتَ اسم (مكافحة الإرهابِ)، فعلى الوطنيّين المالِكينَ للإعلامِ أن يُراجعوا أنفُسَهم.

    مكافحةُ الإرهاب - في كلّ الدنيا - وسائلُها معلومةٌ، لا تكونُ إلّا مِن خِلال مؤسساتِ الدولة، وأجهزتِها الأمنيةِ، لا مِن الخارجينَ عليها، فكلّ قتلٍ خارجَ القانونِ هو إرهابٌ، ليس هناكَ إرهابٌ مقبولٌ وإرهابٌ مرفوضٌ، ولا تكونُ مكافحةُ الإرهاب بإرهابٍ مثلِه، أو أشدَّ منه.

     الإرهابُ معناهُ؛ القتلُ والتفجيرُ والخطفُ والسطوُ ... أيًّا كانت الجهةُ التي تتبناهُ وترتَكبهُ؛ سواء كانُوا أنصارَ الشريعةِ، أو حفترَ، أو الجضران، أو كتائبُه - وكتائبُ غيرِه - المتحكمة في النفطِ في الشرقِ والغرب والجنوبِ، أو كانوا مِن مُحترفِي الجريمةِ  وأصحابِ المخدراتِ وخرّيجي السجون، أو كانوا من قوات الصاعقة، او الثوار ، أو مِن أعوانِ النظامِ السابقِ، فكلّ مَن قَتلَ مِن هؤلاءِ، أو مِن غيرِهم، مِن غيرِ وجهِ حقّ، خارجَ القانونِ؛ فهوَ مِن الإرهابِ ومِن أهلِه، هذا هوَ الإنصافُ.

     لكنّ المؤسفَ المحزنَ، أنّ وسائلَ الإعلامِ وقنواتِه الفضائيةَ - معظمها -  ترى رأيًا آخرَ، يحصرُ الإرهابَ في أنصارِ الشريعةِ وحدَها، دونَ غيرِها؛ ليربطوا ذلكَ بالإسلامِ، تشويهًا لصورتِه، وتنفيرًا منهُ، حتّى يُهزمَ، ولا ينافِسَهم الحكمَ!!

    أنصارُ الشريعةِ - حتى يقطعُوا الذريعةَ عن هؤلاءِ وعن غيرِهم، ممن يريدُون تشويهَ الإسلامِ، أو يُعرّضُون الوطنَ لعدوان خارجيٍّ، يستبيحُ الحرماتِ والديار - مطلوبٌ منهم شرعًا أن يتبرّؤوا مِن كلِّ ما يُنسبُ إليهم؛ مِن أعمالِ القتلِ والعنفِ، ومن عدمِ الاعترافِ بالحكومةِ، وتكفيرِ الجيشِ والشرطة، فإن الذين يدَمّرون بنغازي اليومَ، قد أعطَوا للناسِ وللعالمِ هذه الذريعةَ، ويَكادُون أن يُقنعوهم بها، فلا تُمكِّنوهم منها؛ ليتمادَوا - هم وغيرُهم - في تدميرِ مدينتِكم، وتقتيلِ أهلِكم وأبناءِ وطنِكم، بل يجبُ على أنصارِ الشريعةِ أن ينخَرِطُوا في مؤسساتِ الدولةِ، وينضمّوا إليها، ويُصلِحوا مِن خلالِها، وأن يُشاركوا في الانتخابات القادمةِ بقوّة؛ ليتمكنُوا مِن التغيير والإصلاحِ بالطرقِ المشروعةِ، المأمونةِ العواقب، وأن يَحرصوا على أن يُحَبّبوا الناسَ فيهم، وفي دينِ الله تعالى؛ بالدعوةِ إليه بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، وبخفضِ الجناحِ، ولينِ الجانبِ، وطيبِ الكلامِ، والقربِ مِن الناسِ؛ لأنهم لن يقدروا على هدايتِهم إلّا إذا أحبّوهم، ولذلك حبّبَ اللهُ الخلقَ لنبيّه صلى الله عليه وسلّم، وأمرَه بذلك: (واخفِضْ جَنَاحَكَ للمؤْمنينَ)، (وقولُوا للنّاسِ حُسْنًا)، (حَريصٌ عَليكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحيمٌ)، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ)، (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وفي صحيح السنّةِ مِن حديثِ أبي مُوسى رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، حينَ بعثَه مع معاذٍ رضي الله عنه إلى اليمن، أوصاهما: (بَشِّرَا ولَا تُنَفّرا، ويَسّرا ولا تُعسِّرا، وتَطاوَعا ولا تَختَلِفا).

فالخلافُ شرّ، والتنفيرُ مِن الدينِ أشَرُّ مِنه، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأْمْرِ كُلِّهِ)، و(مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ).

ليسَ أنجحَ في الدعوة إلى اللهِ - يا أهلَ الدعوةِ مِن أنصارِ الإسلامِ - ولا في تَعلّقِ الناسِ بأهلِها؛ مِن الأسوةِ الحسنةِ، والقُدوةِ الصالحةِ، الأُسوَةُ الحسنَةُ تجعلُ مِن أهلِ الدعوةِ هُم مَن يَحفظُ علَى الناسِ أموالَهم وأعراضَهُم، وأمنَهُم وَغذاءَهم، يَجُوعونَ لِيشبعَ الناسُ، ويخافونَ لِيأمَنَ الناسَ.

    في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً سمعوا صوتا مرعبا فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وقدْ سَبَقَ النّاسَ إلى الصّوتِ، وَقَدْ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ، وَهُوَ يَقُولُ: لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا).

 

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الثلاثاء 5 شعبان 1435 هـ

الموافق 3 يونيو 2014 م

 

التبويبات الأساسية