(الفسادُ الماليّ والإداريّ وجهانِ لعملةٍ واحدة)

بسم الله الرحمن الرحيم

(الفسادُ الماليّ والإداريّ وجهانِ لعملةٍ واحدة)

(1)

 

الفسادُ معناه في المعاجم؛ الخراب والدمار والإتلاف.

 

والفسادُ المالي في المؤسسات والإدارات، معناه التحايلُ على النظم والقوانين المعمول بها، لاختلاس المال العام، ونهب الثروات.

ووسائلُه البغيضة الذميمة كثيرة، من أهمها؛ اختلاقُ المشاريع والعقودِ الوهمية،  واستغلالُ النفوذ، وشراءُ الذمم بالرشاوى والسحت.

 

والفساد المالي - دائمًا - ملازمٌ للفساد الإداري، لا ينفك عنه، فلا تجد فسادًا ماليًّا إلّا والطريقُ إليهِ الفسادُ في الإدارة.

 

لذا؛ فإنّ الفسادَ المالي - مثلًا - ليس قاصرًا على سعي بعضِ التجارِ، للحصولِ على اعتماداتٍ مستنديةٍ مزورةٍ، والمشاركةِ فيها مع بعضِ المرتشين، آكلي الحرامِ معهم في الإدارات والمصارف، بل له صورٌ أخرى كثيرة.

 

فالبطالةُ المقنعة فساد مالي، والموظف الذي يتقاضى أجرًا على ثمان ساعات عمل، ولا يعمل هذه الساعات، أو لا يعمل على الإطلاق، فسادٌ مالي، وامتناع المواطن من تسديد الديون المستحقة عليه للمصارف، أو لأيّ جهةٍ عامة، فسادٌ مالي، وعدم جباية مؤسسة الكهرباءِ الاستهلاكَ من المواطنين، وعدم تسديد المواطن لفواتير الاستهلاك الكهربائي، أو سرقته للتيار من العمود، كلّ  ذلك مِن الفساد المالي، ومن اختلاسِ المال العام، أو الإعانة عليه.

هناك عقودُ مرابحة أبرمتها الصيرفة الإسلامية، منذ عامين أو أكثر، بمئاتِ الآلاف، أو ربما بالملايين، والمصرف لم يجدوِل ديونَها بعد، ولم يحدد الأقساط المطلوبة من المواطنين.

فأين الجهات الرقابية على المصارف؟! إدارات الائتمان، الرقابة الإدارية، الرقابة الشرعية هي أيضا مسؤولة؛ لأنّ الفشل والخسارة ستحمّل في نهاية الأمر على الصيرفة الإسلامية، لا على الفساد الإداري، وتفريط المسؤولين والموظفين، وكأنّهم بتسجيل الفشل على  الصيرفة الإسلامية يقولون لنا: إن الربا هو الحل.

 

وأسوأ فسادٍ مالي مسلح في تاريخ ليبيا على الإطلاق، وأعظمه جُرما، وأبشعه ابتزازا؛ ما حلّ بقطاع النفط؛ كلّفت مجموعة الجضران الشعبَ الليبي ما يقربُ من المائة مليار، أثرت تأثيرًا مباشرًا الآن على حياة الناس، وشلّت تقديمَ الخدماتِ الضرورية كافة، في الصحة والأمن والتعليم والتقاعد، والإغاثة والنازحين، والتعامل مع الأزمات، حتّى وصلت إلى الخبز.

من هذا يتبين أن الفساد المالي والإداري وجهان لعملة واحدة.

فأصلح عملك أيها الوزير والمدير والحارس والموظف والعامل أينما كنت، واستمع إلى قول الله تعالى: (وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِين) [الأعراف:142]، ينصلحُ المال.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الثلاثاء 10 ذو القعدة 1436 هـ

الموافق 25 أغسطس 2015 م

 

التبويبات الأساسية