الرجوع إلى التكبير

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كلّما اشتدّ الكرب على المسلم؛ اشتدّت حاجتُه  إلى ربه، والْتِجاؤُهُ إِليه، قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ).

التكبيرُ والذكرُ بأنواعِه؛ بالقلبِ وبالجوارحِ وباللسان، تطمئنُّ به القلوبُ عندَ الفزعِ، والنفوسُ عند الجزعِ،.

تُدبِرُ عند سماعه الشياطينُ، ويُستجلَب به النصرُ، النصرُ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). 

عَجبِي مِن غفلةِ العَودِ إلى انطلاق التكبيرِ من مكبراتِ الصوتِ، في أرجاءِ المدنِ والقرَى، في طولِ البلادِ وعرضِها، مِن أعلى المآذنِ، وفي المساجدِ والطرقاتِ والأسواقِ، كما كانَ عليه الحالُ أيامَ معاركِ التحريرِ والنصرِ.

البلدُ تعيشُ وقتًا بالغ الصعوبة؛ يُقصفُ فيه أهلُ بنغازي بالطائراتِ، وتُدكّ بيوتُهم بالراجماتِ، في ظلّ حكومةٍ تتفرّجُ، ومؤتمرٍ أنْهى أعمالَه وبدأ يسَلِّم.

فهل يُترك أهل بنغازي ليواجهوا مصيرهم ؟ !!

المعركة تمايزت فيها الصفوف، هما فريقان في جبهات القتال، وكذلك في قنوات الإعلام، فريق مع الثورة، يقوده من بقي على المبدأ من الثوار، وفريق ضد الثورة يعمل على إخراج الثوار من المشهد، ويصفهم جميعا بالإرهاب، ليخلو - بتأليب الشارع عليهم - له الجو، وليكون بعد التخلص منهم الحاكم المستبد.

مَن يدكُّون بنغازي بالصواريخِ يُسَمونَ أنفسَهم جيشًا، وإعلامهم وقنواتهم تروج لذلك، مع أنهم خارجونَ  على  مؤسّسةِ الجيشِ، لا يعترفونَ بها.

تُقصف بنغازِي عشوائيًّا؛ يقتلونَ رجالَها ونساءَها وأطفالَها بالجملةِ، حتّى مخازنُ سِلَعِ تُجّارها بالأمسِ لم تَسْلَم، كلُّ ذلكَ بذريعةِ حمايةِ بنغازِي مِن قتلٍ آخرَ يُرتكبُ خفيةً، وإعلامهم مرة أخرى يصدق ذلك، ويروج له، فهلْ مَن يقتلُ بالجملةِ جَهرةً تُراهُ يتورعُ عن التورّطِ في القتلِ خفيةً؟!!

 رفع الصوت بالتكبير في هذا الوقت العصيب التجاء إلى الله مطلوبٌ؛ لِما فيه مِن إراحَةِ النفس، وبعثِ الهمّةِ، وإذكاءِ روحِ الحماسِ، وجمع الكلمة .

وفي كتبِ السنةِ بابٌ معقودٌ لهذا المعنى؛ (بابُ الصياحِ عندَ الفزعِ، وحالَ الرّمي، لإرهابِ العدوّ).

قالَ أهلُ العلم: والأَولَى أن يكونَ - أي: رفعُ الصوت - بذكر الله تعالى، بالتكبيرِ ونحوِه، ومِمّا ذكرُوه في هذا البابِ ما كان أصحابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يرفعونَ به أصواتَهم عندَ حفرِ الخندقِ، يوم الأحزابِ، كانت المدينة تتجاوبُ بهتافهم:

اللهمَّ لولا أنتَ مَا اهتدينَا .. ولا تصدَّقنَا ولا صَلَّيْنا

فـأَنـزِلَـنْ سَكـينَةً عـليْـنَا .. وثبِّتِ الأقدَامَ إِنْ لَاقَيْنا

إنّ الأعْداءَ قدْ بَغَوا عَلينا.. إذا أرادُوا فـتنةً أَبَيـنا

وحينَ قال الأنصارُ يومَها للحماسَة:

نحنُ الّذينَ بَايَعوا مُحمّدا .. على الجِهادِ مَا حَيِينا أبَدا

أجابَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم: 

اللهمّ لَا عيشَ إلّا عيشُ الآخرَة

فَأصلِحِ الأنْصارَ والمُهاجِرَة.

واستدلّ البخاريّ على هذا بحديثِ سلمةَ بن الأكوع رضي الله عنه قال: (خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ، لَقِيَنِي غُلامٌ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ، قُلْتُ: وَيْحَكَ مَا بِكَ؟ قَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ، فَصَرَخْتُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ، أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا: يَا صَبَاحَاهْ، يَا صَبَاحَاهْ، ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ، فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا، فَأَقْبَلْتُ بِهَا أَسُوقُهَا، فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ، وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ، فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ، مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ، إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ).

(اللقاح): الإبل، (لابتيها) مفردها (لابة): أرض مغطاة بحجارة سود تقع في  الحد الشرقي والغربي للمدينة النبوية، أي: أسمعَ ابنُ الأكوع  بالصوت عندما فزعَ  كلّ أرجاءِ المدينة،

(واليوم يوم الرضع): اليوم يعرف من تربى على الحرب وخبرها وتمرس فيها ممن لم يعرفها

(مَلكتَ فأسجِح): غَلبتَ وانتصرتَ فتساهَل ولا تتشدَّد، (إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ): مَن تطلبُهم قدْ وصلُوا إلى ديارِهم، وهم الآنَ عندَ قومهم يُضَيّفُون...

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

السبت 9 شعبان 1435 هـ

الموافق 7 يونيو 2014 م

 

التبويبات الأساسية