اتفاقٌ سياسيٌّ فريقُه يسعى لِتَرْقيعه وحفترُ لا يَعْبأ به!

بسم الله الرحمن الرحيم

اتفاقٌ سياسيٌّ

فريقُه يسعى لِتَرْقيعه وحفترُ لا يَعْبأ به!

من أحكام الإسلام أن من أعان ظالماً أو دافع عنه أو تسبب في الظلم أو تستر عليه فهو ظالم، وكل من يعمل على فسادٍ وعدوانٍ بنُصْرة، أو تدبير، أو حراسة، أو يكون رِدْءاً للظالم فهو مُفسد ظالمٌ، هو ومن يُعينه سواء.

فالله تبارك وتعالى لا يتوعد الظالمين وحدهم، بل يتوعدهم ويتوعد كذلك من يقف معهم ويَرْكنُ إليهم ويكون معهم، قال تعالى: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)، وقال تعالى: (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

ولذلك فإن الفقهاء اتفقوا على أن من ارتكب جريمة - كجريمة الحِرابة وقطع الطريق مثلا - فإنه يُؤخذ معه كل من عاونه وتمالأ معه.

فلو كانوا جماعة، والمباشر للقتل واحد منهم فقط، والباقون دَبَّروا وخططوا، وقام بعضُهم بالحراسة، وبعضهم بالتستر، وبعضهم باستكشاف الطريق، فكلُّهم يُعَدُّون قُطاعَ طرق محاربين قَتَلة، ويُقتلون جميعا، ولا يُقتل القاتل وحده، كما قال عمر رضي الله عنه: (لَوْ تَمَالأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتهمْ بِهِ جَمِيعاً).

لقد أضاف القوم إلى ما يعانيه المواطن من البؤس هذه الأيام، إدخال ليبيا كلها في ظلام شامل، لا أدري إلى أين يريدون أن يصلوا بها، يُعذِّبون الناس ويُذِلونهم ويحرمونهم من حقوقهم، لم يكف الفزعُ وعدمُ الأمن والخطفُ والقتلُ والهرجُ والمرجُ حتى أضافوا إليه الظلام! ولا يجدُ المواطنُ المقهورُ المظلومُ جهةً يلجأ إليها، ومع كل هذا البلاء والكرب الشديد، فالعجب كلُّ العجب أن نجد من لا يزال يتمسك ويتشبث بما أوْصَلَنا إلى هذا الحال من الظلام، وهو ظلام بما تحمله الكلمة من معنى!

الذي أوصلنا إلى هذا الحال لاشك هو ما يسمى بالاتفاق السياسي، فقد مرت بنا في غمرته سنة تعيسة كئيبة، كابوس لم ير الناسُ مثله، وكان يُفترض بعد هذا كله أن كل الأطراف تنفض يدها منه، وتبحث عن غيره فيما هو مطروح من المصالحة، ولكن للأسف لا يزال هناك من يجري وراء المتهالك، يُرقِّعُه ليجدد لستة أو سبعة ملايين مُواطنٍ مزيدا من القهر والمذلة!

كل ما يقع الآن في البلد من هرج ومرج، وخطف، وضياع حقوق، وفقد ممتلكات، ومن تداعيات أمنية، وتداعيات سلبية على مرافق الدولة في المال والصحة والاقتصاد والتعليم، ومن دماءٍ تُسفك ظُلما، كل ذلك كِفْلٌ منه في أعناق هؤلاء، الذين يَسْعون لتمديد هذا الظلم فيما يُسمى الاتفاق السياسي!

وإني لأقول، وأعُدُّ هذا فتوى شرعية، وأتحمل مسؤوليتها؛ لأُبرئ ذِمَّتي أمام الله - سبحانه وتعالى- إنه مِنَ الآن؛ كلُّ مَنْ يسعى لدعم هذا الاتفاقِ السياسيّ المزعوم وتمديده، إنما يسعى ليمتد أمدُ الفساد في الأرض، وليمتد القتلُ والخطفُ والظلمُ بكل أشكاله، فكل من يسعى اليوم لترقيعه والتمسك به فإني أعُدُّ عمله من الفساد في الأرض، مع سبق الإصرار والترصد، وكلَّ ما يقع على الناس من القهر، ونهب الأموال، وسفك الدماء، هم مسؤولون عنه، ويتحملون وِزره، هم ومن يقف وراءه.

ذلك أن السنةَ النبويةَ شاهدةٌ وناطقةٌ بأن كل مَن عمل عملا وتبعه عليه غيرُه، إن كان خيراً فله أجره وأجر من عمل به، وإن كان شراً فعليه وزره ووزر من عمل به، والدليل على ما قلتُ ما جاء في صحيح البخاري، وفي غيره، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ)، ولِما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رَأَيْت عَمْرو بْن عامر لُحَيّ الخزاعي يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النَّار) أي أمعاءه، والسبب في ذلك أنه أول من سَيَّب السوائب، فكل من يَسُن سنة سيئة، قد جربها وعلم ما فيها من هلاك وطنه وبلده، ثم بعد ذلك يُصِرُّ عليها، فليس له عُذْر، مَثَلُه كَمَثَل مَنْ كان عنده ولد وضعه في غُرفة، يعلم أنه لا تهوية فيها كافية، ومات الولد، ثم أتى بابنه الآخرَ ووضعه في الغرفة نفسها، دون أن يُحدث عليها أيَّ تغيير، فإنه في الأول قد يكون معذوراً، وفي الثاني يكون قاتلا!

هذا الذي أقوله هو ما أَدِينُ الله تعالى عليه، وقد بلغتُ!

وأدعو الله تبارك وتعالى أن يَهْدِيَ القومَ!

ولا عذرَ اليومَ لمن يسعى وراء هذا الاتفاق بحجة أنه من ارتكاب أخفّ الضررين، كما يقولون، فإن ارتكابَ أخف الضررين يأتي في ضررين محتملين، ويكون أحدُهما أرجحَ من الآخر، أما الضررُ الذي نحن فيه فهو ضررٌ مُحَقَّقٌ واقع، هو قتلٌ بالفعل، وتدمير بالفعل، وهلاكٌ للوطن بالفعل، فكيف يُرتكب هذا كلُّه من أجل خوف ضرر محتمل!

ولا عذر لهم أيضا بحجة أنّ المجتمعَ الدوليَّ هذه المرة سيكون حازما وصارما، ويُنفِّذُ ما وَعَد به، فهذا والله خِداعٌ بعد خداع، فإن وُعودَ المجتمع الدولي هي التي أوصلتنا إلى هذا الحال، فكم عسانا نُخدع من جُحر واحد حتى نفيق ونرجع إلى عقولنا!

لقد أكدوا لنا عند توقيع الاتفاق أن حفتر لن يكون في المشهد، والآن لا تفوتُهم فرصةٌ إلا ويؤكدون على أنه قائدُ الجيش، وهو الذي يُحاربُ الإرهاب! وأنه جزء من المشهد، يفعلون ذلك وهم يرونه يضرب باتفاقهم عُرض الحائط، ولا يجرأون أن يوجهوا له كلمة استنكار واحدة! بل هو الذي يَرْفُض حتى أن يقابلهم!

المجتمع الدولي الذي أنتم تخافونه يا قومنا! يا من تُرقِّعُون الاتفاق! حفترُ المرتكبُ للجرائم، المطلوبُ للقضاء، الخارجُ عن الشرعية، والمنقلبُ عليها، يمتنعُ أن يقابلَ البعثة الأممية، ولا يَسمحُ لطائرتها بالهبوط في طبرق، انظروا إلى أيِّ حد يصل الصَّلَف والغرور، ومع ذلك فإن القوم يسعون وراءه جاهدين ليتوجوه - بترقيع الاتفاق - رئيساً لجيشهم!

ماذَا دهانا؟!

لِمَ كُلُّ هذا التحسبِ والتخوفِ من المجتمع الدولي؟

هل إيمان حفتر بباطله أصلب من إيماننا بحقنا؟

أم هو الوَهَن الذي أخبرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم حَلَّ بالقلوب؟! (وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ المَهَابَةَ مِنكُمْ، وَلَيَقذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ).

يا أحبابنا يا عباد الله، اتقوا الله، إنكم لمسؤولون عن هذه الدماء، لا بد أن تنفضوا أيديكم من هذا الظلم والبؤس والمذلة، وترجعوا لتجمعوا أهل الوطن على حقكم الذي تسعون إليه، في مصالحة وطنية صِرفة تنسى الماضي، دون تدخل وهيمنة أجنبية.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

21 ربيع الآخر 1438 هـ

الموافق 19 يناير 2017 م

 

التبويبات الأساسية