سلسلة مقالات: (الاعتصامات؛ الأسباب والدوافعُ). (3) قفلُ موانئِ النفطِ وحقولِه

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

أسبابُ غلاء الأسعارِ وارتفاع الدولار، وعدم القدرة على تلبية مطالبِ المستشفيات والدواء والمرضى، والمعلمين، والمتقاعدين، والماليين، وأسبابُ كلّ معاناةٍ يطولُ ليلُها على الليبيين، هو تعطيل المصدرِ الوحيد لقوتِهم، والسطو عليه وتخريبُه، بحجة الحفاظ عليه!!

لا سببَ لطولِ معاناتهم غيرُه، ولا حدودَ لتداعياتِه، وآثارِه المدمرَةِ على بلادهم.

فالاستيلاءُ والسطو عليه، وتعطيلُه؛ أصلُ وسببُ كلّ المصائب والأزماتِ في ليبيا.
التعدي المتعمدُ المدبّر على النفطِ هو عمل تخريبيّ مبيّت، وهو مِن الفسادِ في الأرض، تعاونت عليه أطرافٌ عدةٌ؛ لتُهلك الحرث والنسل: (وَاللهُ لا يُحِبّ الفَسَادَ)، ولإفشالِ مشروعِ الثورةِ في ليبيا، كمَا أفشلوهُ في بلادٍ أخرى، ردُّوها إلى عهودِ القمع والظلمِ والقهر، والعَداءِ السافرِ للدين، (يُريدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمّ نُوره ولَوْ كَرِهَ الكَافِرونَ)، يسلكونَ في ذلك كلّ السبلِ، ويتعاونونَ معَ كلِّ مَن ليس لهُ مع الله عهد ولا ميثاق، يُراهنُون - بعد أن فشلوا سياسيا وعسكريا - على انهيارِ اقتصادِ البلادِ، وعلى عجزِ الحكومة عن دفعِ المرتباتِ، وارتفاع الأسعار، والتضييقِ على الناس في رغيفِ الخبزِ، لبثّ الفوضى، وإعلانِ التذمُّرِ والعصيانِ، فلا يبقَى في نظرِهم للناسِ بعدَ ذلك مِن خيارٍ، إلّا الاستسلام، والمجتمعُ الدوليُّ - الذي يقولُ إنّه مهتمٌّ بدعمِ الاستقرار في ليبيا - هو قادرٌ على إيقافِ هذا التلاعبِ بالنفطِ، ولكن يسكتُ عنهُ، بلْ ربما يباركُه؛ لأنه في نظرِ المتعاونينَ معه، ورقةُ الضغطِ التي لا تقاوَمُ، للرضَى في نهايةِ المطافِ بحلولِه.

فهل يستيقظ ضميرُ مَن يتربّعون على ثروةِ ليبيا، ويجعلونَها تحت قبضتهم منذُ عامين؛ ظلمًا وعدوانًا؟! وهلْ آنَ لهم أنْ يُدركوا خطورة ما يرتكبونَه في حقّ الأمةِ والأجيالِ، مِن فعلٍ عدواني أثيمٍ؟!

هل يتحركُ فيمن يغلّونَ ويغتصبونَ مالَ الأمةِ وازعُ الخوفِ من الجبارِ، قبلَ فواتِ الأوانِ؟! فإنه سبحانه يمهلُ ولا يهملُ: (إنّ اللهَ ليُملِي للظالمِ حتى إذا أخذَهُ لم يُفلتْه)، (ومَن يظلِم منْكُم نُذقْه عَذابًا كبِيرًا).

هل تتحركُ فيهم النخوةُ والحمية، والغيرةُ على الوطنِ، ويفوِّتُون على أعداء الوطن فرصَةَ الهيمنةِ عليه، وسلبِ خيراتِه، وانتهاكِ دينه وحرماتِه؟!

إنّ مَن يقومُون اليوم بهذا العمل الذميمِ المشينِ، في حقولِ النفطِ وموانيه، يعرّضونَ وطنهم للذلِّ والهوان، وهيمنة الأجنبي؛ ستلحقُهم اللعنةُ والمذمّةُ، لعنةُ التاريخِ، ولعنةُ الأمة والأجيالِ، سيسجّلونَ على أنفسِهم عارًا لا يُمحَى، على مرِّ الأيامِ والأزمانِ.

كيف يَرضَى مَن يشاركونَ في هذا العدوانِ الآثم على ثروة وطنهم، خسيسةً وعارًا، لا يقفُ عندهم، بل سيلحقُ أعقابَهم، وأبناءَهم وأحفادَهم مِن بعدهم، ويلتصقُ بعائلاتِهِم وقبائِلِهم، ويحل بكلّ منْ وقفَ معهُم وأعانَهم، ودافعَ عنه، أو تستَّرَ عليهم، ستحلّ بهم جميعًا لعنةُ اللهِ، ولعنةُ الناسِ، ولعنةُ التاريخ؛ لِما أحدثُوهُ مِن الفسادِ في الأرض، ولِما جلبُوه على قومِهم وبلدِهم مِن الدمارِ والخرابِ.

إذا كان فقهاء المسلمين - كما يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى - يعدون قطع الدنانيرِ وكسرَها من الفسادِ في الأرض، فكيف بمن خرَّب مالَ الأمة بأسره؟ هؤلاء - ومَن أعانَهم مِن القبائلِ - لن يفارقهم عارُ الإساءة لقومهم وأبناءِ وطنهم ودينِهم، مَا وَرَدَ لليبيا ذكرٌ في صفحاتِ التاريخِ!!

لقد جلبَ هؤلاءِ ومَن أعانَهم، على الوطن شرًّا مستطِيرًا، وأحدَثُوا حدثًا عظيمًا، استحقُّوا به ما توعّدَ بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن آوى محدثًا، أو تستّرَ عليه، قالَ صلى الله عليه وسلم: (مَن أحدثَ حدثًا أو آوى محدِثًا؛ فعليهِ لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ، لا يُقبلُ منهُ عدلٌ ولَا صرفٌ).

فهل يضعف الناسُ في ليبيا، ويستجيبونَ لمخططاتِ مَن استولَوا على أقواتِهم؛ ليعيدُوهم إلى القهر والذلِّ، وانتهاك حرماتِ الدّينِ والمقدساتِ؟!

أم أنّه عندما يكونُ الخيارُ الجوعُ أو الدينُ والوطنُ؛ سينحازونَ إلى الدّين والوطنِ، ويصبرُونَ على الجوعِ، كما صبرَ أجدادُهم المجاهدونَ، الذينَ دحروا الاستعمارَ، على رغمِ الفاقةِ الشديدةِ، وخواءِ البطونِ؟!
فالحرةُ تجوعُ، ولَا تأكُلُ بثديَيْها.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
الإثنين 4 صفر 1437 هـ
الموافق 16 نوفمبر 2015 م

التبويبات الأساسية