اللحوم المستوردة

السؤال: 

توجد في الأسواق في بلاد المسلمين وفي أوروبا لحوم مذبوحة في بلدان غير إسلامية، ولكن يلصق على كل علبة منها عبارة (حلال مذبوح على الطريقة الإسلامية)، فهل يجوز أكل مثل هذه اللحوم المستوردة؟

 

الجواب

ما يذبح في أوروبا وغيرها من البلاد غير الإسلامية ، في مجازر غير خاصة بالمسلمين ، لا يجري في أغلبه على الطريقة الشرعية ، ومعظمه من قبيل المنخنقة والموقوذة ، فهو ميتة لا يجوز أكله ، وذلك للأسباب الآتية: 1 ـ شرط ذبيحة أهل الكتاب أن يكون الذابح فعلا من أهل الكتاب ؛ نصراني أو يهودي على دين النصارى أو اليهود ، والنصارى في أوروبا وفي غيرها شاع بينهم الإلحاد ، وعدم الاعتراف بالأديان ، وصارت نسبة كبيرة منهم وإن عُدوا في الإحصائيات من النصارى ، فهم في واقع الأمر لا يدينون ولا يعترفون بالخالق ولا بشيء مما جاءت به الأديان السماوية ، فذبيحة هؤلاء وإن سموا نصارى فهي مثل ذبيحة المجوس والدهريين والشيوعيين ، لا يحل أكلها ، ولا تستطيع في المجازر أن تميز ما إذا كان الذابح على دين النصارى أو ممن لا دين له ، لذا كانت ذبيحته مشكوكا فيها ، فلا يحل أكلها. 2 ـ النصارى اليوم في أوروبا وفي غيرها لا يذبحون ، وإنما يقتلون الحيوان كيفما اتفق ، بدليل أنه ليست لهم طريقة واحدة في جميع مذابحهم ، فلو كانوا يذبحون وفقا لشريعتهم ومعتقدهم لاتفقت طريقتهم في الذبح ، كما هو الحال عند المسلمين وعند اليهود ، لأن دين النصارى واحد ، فيفترض في الذبح إن كان جاريا على دينهم أن تكون صورته واحدة ، لكن الذبح عندهم اليوم معدود من المسائل المدنية ، وليس من المسائل الدينية العبادية ، لذا هم مختلفون فيما بينهم في طريقته اختلافا كبيرا ، منهم من يخنق ، فيطعن الحيوان في صدره بين أضلاعه ، وينفخه بمنفاخ ، فتمتلىء رئتاه بالهواء ويموت مخنوقا ، ومنهم من يضرب الحيوان بمسدس في رأسه تخرج منه إبرة تخرق دماغه ، فيقع مصروعا ، ثم يعلقه الذابح ويشرطه في رقبته شرطة خفيفة قد تقطع عروقه أو بعضها ، وقد لا تقطعها وتكون جلدية ، وقد يدرك السكين الحيوان حيا قبل أن يموت ، وقد لا يُدركه إلا بعد موته . ومن المجازر من يخدر الحيوان بغاز سام ، مثل غاز أكسيد الكربون ، وبعد تخديره يشرطه بالسكين على نحو ما سبق ، ومنهم من يدخل حديدة مذببة في رأس البقر ، فيصرع ويكتفي بذلك ، ومنهم من يصعقه على جنبي رأسه صعقة كهربائية يقع منها على الأرض ، ثم يعمل به ما سبق من التدمية في رقبته بالسكين ، دون التحقق من قطع عروقه ، ودون التحقق ما إذا كانت هذه التدمية في رقبته وقعت قبل موت الحيوان أو بعد موته بالصعقة ، ومعلوم أنها إذا وقعت بعد موته ، فلا تفيد تذكيته حتى لو ذكي وقطعت عروقه . ولما وقع الشك في الذكاة على هذه الصور المتعددة فلا تحل الذبيحة ، لأن الذبيحة لا تحل مع الشك ، فقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الصيد إذا وقع في الماء بعد إصابته بالسهم وقال للصائد : (فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ)، (مسلم حديث رقم 1929) ، وقال للذي وجد مع كلبه كلبا آخر : (... فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ)، (البخاري حديث رقم 175) ، وهذا يدل على أن الحيوان المذبوح لا يؤكل بالشك ، وأن الأصل فيه المنع حتى تثبت فيه الذكاة الشرعية بيقين ، حتى إنه لو اختلطت الميتة بشاة مذكاة ، يجب اجتناب الجميع احتياطا للتحريم (انظر الفروق 1/155 ، و2/18 ، وإيضاح المسالك ص 82 قاعدة 27) . 3 ـ هذه الطرق في الذبح على النحو السابق من الخنق والصعق والوقذ ، لو فعلها مسلم بذبيحة لا تؤكل ، فكيف إذا كان من يقوم بها غير مسلم ، نصراني أو متفسخ لا دين له . وبناء عليه لا يجوز أكل ذبيحة غير المسلمين في البلاد الأوروبية إلا ما ذبح منها في مجازر خاصة بالمسلمين ، أو خاصة باليهود ، فإنهم أيضا في الذبيحة لا يزالون يتقيدون بالذكاة الشرعية الموافقة لدينهم ولدين المسلمين . أما عبارة (حلال مذبوح على الطريقة الإسلامية) الملصقة على الذبائح المستوردة من أوروبا ، فقد لا تعني شيئا ، وهي في معظمها مجرد دعاية تجارية لتسويق السلعة ، يمكن لكل شركة ، بل لكل صاحب دكان إلصاقها، لمجرد الكسب ونَفاق السلعة ، فلا يوثق بها ، ولا يجوز أكل الذبيحة اعتمادا عليها ، إلا إذا كانت هذه الشهادة صادرة من جهة موثوق بها ، راقبت الذبائح بنفسها ، ذبيحة ذبيحة ، وأسندت الأمر فيها إلى أناس موثوق بدينهم وأمانتهم ، وتولوا ذلك بأنفسهم . وهذا حسب تجربتي ، وما وقفت عليه بنفسي أيام الدراسة في أوروبا نادر وقليل ، والشائع والكثير في ذلك الوقت ، وأرجوا أن يكون الآن قد تغير الحال إلى أحسن ـ أقول الشائع ـ في مثل هذه الحالات في ذلك الوقت أن البلد المسلم عندما يستورد اللحوم من بلد غير مسلم ، أنه يرسل من يتولى له الذبح في مجازر الكفار ، وتقتصر مهمة من يرسلونهم على مجرد التوقيع على الأوراق في المجزرة : بأن الذبح تم بمعرفتهم على الطريقة الإسلامية ، وهم لم يتولوا الذبح بأنفسهم ، أو تولوا ذبح عدد قليل على أحسن الأحوال ، لأن الأعداد من الذبائح كبيرة ، والمسألة شاقة ، وأكثرهم لا يحسّ بالمسؤولية الدينية التي وُلِّيها ، فليس له من الدين ولا الأمانة ما يحمله على الاعتناء والتدقيق ، وتحمل العناء والمشقة فيما أسند إليه ، وهذا ما يجعل الذبائح التي أصدروا شهاداتهم عليها بأنها حلال لا تختلف في الواقع عن الذبائح الأخرى في مجازر الكفار التي مرّ بيان عدم حِلّيتها . والذي أراه أن المسألة شاقة ، وتحتاج إلى جهد وعناية فائقة حتى يتم الذبح الحلال في حالات الاستيراد بكميات كبيرة على صورة موثوق بها ، لذا ينبغي أن يستبدل ذلك بتوريد الحيوان حيا ليتم ذبحه في بلاد المسلمين ، وإن كان ولابد من استيراد اللحوم المذبوحة ، فليُسند الأمر إلى هيئة الإفتاء في البلد الإسلامي المورِّد للحوم ، لتتولى بنفسها الاتصال بمكاتب سفارات بلادها في الخارج ، وذلك بأن ترسل هيئة الإفتاء رقيبا من عندها ، موثوقا في دينه وأمانته إلى البلاد المصدرة للحوم ، ويقوم هذا المندوب من خلال مكاتب سفارته في الخارج ، وبالتعاون مع المراكز الإسلامية هناك ، باختيار عدد من المسلمين للقيام بمهمة الذبح ، بعد أن تجرى لهم مقابلات شخصية، تختبر فيها خبرتهم والتزامهم الديني ، وبعد أن تتم تزكيتهم من أناس موثوق بهم في تلك المراكز . فإذا ما تم الاختيار على هذا الأساس يحضر في يوم الذبح إلى المجزرة عدد منهم ليتناوبوا العمل ، حتى لا تقع المشقة والملل ، فيقع التهاون ، ويكون معهم الرقيب الموفد من جهة الإفتاء ، يتابع عملهم من بدايته إلى نهايته ، ثم يصدر الشهادة لذلك العدد الذي تم ذبحه باسم هيئة الإفتاء التي يمثلها ، ويُكتب ذلك على العلب والمغلفات ، وبذلك يطمئن المسلم إلى أنه يأكل لحما حلالا صالحا للأكل من الناحية الصحية . فالأسواق الآن في بعض البلاد توجد بها لحوم مستوردة من أستراليا وغيرها من أقصى البلاد ، يستوردها التجار دون رقابة شرعية ، وتباع للمستهلك بأثمان زهيدة ، لا تغطي حتى تكلفة شحنها وتخزينها ، الأمر الذي لا يشكك فقط في كونها حلالا ، بل يشكك أيضا في صلاحيتها لبني آدم .

تاريخ الإجابة 2007-12-15

تاريخ الإجابة: 
الجمعة, أكتوبر 1, 2010

شوهدت 11628 مرة

التبويبات الأساسية