شراء السلعة بالمرابحة بنية بيعها

السؤال: 

السلام عليكم ورحمة الله
فضيلة الشيخ أنا مواطن اشتريت سيارة من مصرف الجمهورية عن طريق الـمرابـحة الإسلامية بعد إفتائك بجــواز هده المعاملة شرعا، علما بأني اشتريت السيارة بنية البيع وبعتها لشـخـص آخر ليس له علاقة لا بالـمصرف ولا بالوكالة. ولكن يا فضيلة الشيخ استمعت لفتوى صادرة من الشيخ العثيمين تُحَرِّم هذه المعاملة على أنها تحايل على الربا، مما جعلـني أرتاب في هذه المعاملة.
أرجوا من فضيلتكم الاطلاع والإفادة أثابكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الوعد بشراء سلعة على المرابحة إن كان ملزما فهو غير جائز، لأنه في قوة بيع الشيء قبل تملكه الذي ورد النهي عنه في حديث حكيم بين حزام وحديث ابن عمر رضي الله عنهم، ولأنه منه التحايل على السلف بفائدة، وعلى هذا يُحمل كلام الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى، أي على الوعد الملزم قبل تملك المأمور السلعة، أما إن كان كلام الشيخ العثيمين يشمل أيضًا الوعد على الخيار، فقد خالفه فيه جمهور الفقهاء المتقدمين من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وفيما يلي نصوص فقهائهم في المسألة.
قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الأم: (وإذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعة فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل، فالشراء جائز، والذي قال: (أربحك فيها) بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعا، وإن شاء تركه، وهكذا إن قال: اشتر لي متاعا، ووصفه له، أو متاعا ـ أيَّ متاع شئت ـ وأنا أربحك فيه، فكل هذا سواء، يجوز البيع الأول، ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار، وسواء في هذا ما وصفت إن كان قال: أبتاعه وأشتريه منك بنقد، أو دين، يجوز البيع الأول، ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جَدَّداه جاز، وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين:
أحدهما: أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع، والثاني: أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا) (الأم 3/39).
وعند الحنفية قال محمد بن الحسن: (قلت: أرأيت رجلا أمر رجلا أن يشتري دارا بألف درهم، وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر بألف درهم ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار، ثم خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك؟
قال: يشتري المأمور (أي البنك هنا) الدار على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام، ويقبضها، ويجيء الآمر (أي العميل) ويبدأ فيقول: قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم. فيقول المأمور: هي لك بذلك، فيكون ذلك للآمر لازما، ويكون إيجابا من المأمور للمشتري: أي، ولا يقول المأمور مبتدئا: بعتك إياها بألف ومائة؛ لأن خياره يسقط بذلك فيفقد حقه في إعادة البيت إلى بائعه، وإن لم يرغب الآمر في شرائها تمكن المأمور من ردها بشرط الخيار، فيُدفع عنه الضررُ بذلك) (كتاب الحيل ص 79، 127).
وكذلك قال ابن القيم في إعلام الموقعين، فقد أشار إلى المسألة بعينها وهو يمثل للحيل الجائزة، فقال: (رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد.
فالحيلة: أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر، ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت، فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار) (إعلام الموقعين 4/39).
وعند المالكية في المسألة خلاف على قاعدتهم في التوسع في سد الذرائع، والمشهور جوازها، وهى رواية ابن القاسم عن مالك، وذلك بقيدين: أن يكون ضمان السلعة على المأمور (البنك)، وأن يكون الواعد بالشراء (العميل) على الخيار، قال الشيخ خليل في المختصر: (بخلاف اشترها بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر للأجل، ولَزِِمَت الآمر إن قال: لي، وفي الفسخ إن لم يقل: لي، إلا أن تفوت فالقيمة، أو إمضائها ولزومه الاثني عشر، قولان)، قال الحطاب في شرحه لكلام خليل السابق: (اختلف فيه إذا وقع على قولين: أحدهما أن السلعة لازمة للآمر (العميل) باثني عشر إلى أجل، لأن المأمور (البنك) كان ضامنا لها لو تلفت في يده قبل أن يبيعها من الآمر، ويُستحب له أن يتورع، فلا يأخذ منه إلا ما نقد فيها، وهو قول ابن القاسم ... وروايته عن مالك، والثاني أن البيع يُفسخ وتُرَدُّ السلعة إلى المأمور ... كما يُفعل بالبيع الحرام، لأنه باعه إياها قبل أن تَجِب له، فيدخله بيع ما ليس عندك) (البيان والتحصيل 7/87).
وقول ابن القاسم المروي عن مالك بإمضاء البيع إن وقع، مُقَيَّد في المقدمات وكذلك عند شراح خليل بقيدين:
1 ـ أن يكون ضمان السلعة ـ قبل أن يشتريها الآمر (العميل) ـ من المأمور (المصرف)، بأن يشتريها بالفعل ويتحمل تبعاتها.
2 ـ أن الآمر (العميل) يثبت له الخيار بعد دخول السلعة في ملك البائع، ولا يُجبَر على أخذها إن أَبَى.
وعلى تقييد إمضاء البيع بهذين القيدين قرَّر الحطاب كلام خليل، فقد ذكر الحطاب هذين القيدين، ثم قال مستدركا على خليل عدم ذكره إياهما، ومعتذرا له في الوقت نفسه، قال: (ولم يُنَبِّه المصنف على ... أن ضمان السلعة قبل أن يشتريها الآمر من المأمور، وعلى أن الآمر لا يلزمه أن يأخذ السلعة إن أبى، لوضوح ذلك) (مواهب الجليل 4/406).
وبيع المرابحة للآمر بالشراء على هذه الصورة التي يجريها المصرف أجازه عدد من المجامع الفقهية المعاصرة، ومن بينها مجمع الفقه الإسلامي بجدة الدولي، والله أعلم.
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

تاريخ الإجابة: 
الأربعاء, مارس 3, 2010

شوهدت 643 مرة

التبويبات الأساسية