مقدار لبن الرضاع الذي يحرِم

السؤال: 

رجل تزوج امرأة (س) ورزق منها ببنت و بعد ذلك تزوج الرجل بامرأة ثانية (ص) ورزق منها أيضا ببنين وبنات ، سؤالي هنا أن لهذا الرجل أختا ولها ابن قد رضع مع بنت الزوجة الأولى (س) مرة واحدة وبدون قصد أمه ، المهم أن هذا الابن يريد الزواج من بنت المرأه الثانية (ص) . هل يصح هذا الزواج أم لا ؟" وقد أجاب الشيخ الفاضل بتحريمها عليه مع أن السائل يذكر أنها مرة واحدة أي رضعة واحدة والمعلوم من الدين أن المحرم في الرضاع بنص الحديث " خمس رضعات يحرمن " وكونها مشبعات وذلك لما روى مسلم (1452) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ .فنرجو من الشيخ المراجعة .

 

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. لبن الرضاع يحرم إذا وصل إلى الجوف، قليلاً كان أو كثيراً، ولو كان بمقدار ما يفطر الصائم ، لقول الله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) ، وهو عام في قليل الرضاع وكثيره، ولذلك عندما سئل ابن عمر عن المصة والمصتين ، قال : لا يصلح ، فقيل له: إن ابن الزبير لا يرى بهما بأساً ، فقال ابن عمر : قضاء الله أحق من قضاء ابن الزبير يقول الله تعالى : (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) . ومن جهة النظر ، فإن المصّة الواحدة توجب تسمية المرضع أُمًّا من الرضاعة فتكون محرمة ، وجاء عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما إنهما قالا في الرضاع : يُحرم قليله وكثيره (انظر المصنف 7/468 و469 ، والتمهيد 8/270). ـ هذا ما لعلمائنا من الاستدلال على أن قليل الرضاع يحرم مثل كثيره ، وهو استدلال بعموم القرآن وأقوال الصحابة ، واعتصام منهم بالاحتياط كما هي قاعدتهم في مسائل التحريم ، أما من حيث رجحان الدليل ، فإن من ذهب إلى أن المصَّة والمصّتين من الرضاع لا تحرم ، فدليله أرجح وأقوى ، فقد جاء في الصحيح من رواية ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت : (لا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ)، (مسلم حديث رقم 1450) . وقد قال ابن عبد البر عن حديث عائشة هذا محاولا تضعيفه : إنه مرة يرويه ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثل هذا الاضطراب يسقطه عندهم انتهى ، قال ابن العربي : وهذا كله لا يقدح فيه لثبوت عبد الله بن أبي مليكة عليه ، وهو إمام عظيم أدرك ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم انتهى . ولم يقدح الاضطراب الذي ذكره ابن عبد البر في الحديث عند مسلم ، فخرجه في الصحيح، ولذلك يقول ابن العربي في العارضة ، إن تعلق علمائنا في الاستدلال بعموم الآية لا يقوم على ساق ، لأن القرآن عام في الرضاع ، والسنة بيّنت العموم وخصصّته ، ولكنه في أحكام القرآن يرجّح ما ضعفه في العارضة ، انظر المعلم 2/163 ، وعارضة الأحوذي 6/91 ، والتمهيد 8/269 ، وأحكام القرآن 1/374). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلا مَا فَتَقَ الأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ)، الترمذي حديث رقم 1152 . وجاء في الصحيح عن أم الفضل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تُحَرِّمُ الإِمْلاجَةُ وَالإِمْلاجَتَانِ) ، وفي رواية عنها: (سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَتُحَرِّمُ الْمَصَّةُ فَقَالَ لا)، مسلم حديث رقم 1451 . وحديث أم الفضل امرأة العباس خرجه مسلم 2/1075 ، قال ابن عبد البر بعد أن ذكر أن حديث عائشة المتقدم مضطرب : (وحديث أم الفضل في ذلك أضعف ، ولم يبين وجه ضعفه) ، انظر التمهيد 8/269 ، والإملاجة : المصّة من الرضعة . وإذا كانت الرضعة الواحدة والرضعتان لا تحرم بنصّ الحديث ، فيكون الحديث مخصّصاً لعموم الآية ومُبيناً لها ، وبيان السنة أحق أن يتبع ، وإذا احتيج إلى بيان عدد من الرضعات يكون حداً ـ يقع به التحريم ، فأولى ما يؤخذ به الوارد في الحديث ، وهو خمس رضعات، (انظر فتح الباري 11/51)، فقد قال صلى الله عليه وسلم لسهلة بنت سهيل في حديث سالم مولى أَبِي حُذَيْفَةَ في الموطأ : (أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا)، الموطأ 2/605 . أما حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِن القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ+ ، فلا حجة فيه على عدد الرضاع المحرم ، لأنه لو لم يثبت كونه قرآناً ، فلا يثبت ما يدل عليه من عدد الرضاع ، ثم إن الحديث كفى مؤونة نفسه على فرض صلاحيته للاحتجاج ، لأنه من المنسوخ ، والمنسوخ لا يُعمل به ، فإن معنى قول عائشة : (فَتُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِن القُرْآنِ) ، أي من القرآن المنسوخ ، فلو أرادت فيما يقرأ من القرآن الثابت لاشتهر عند غيرها من الصحابة كما اشتهر عندها ، ويدل الحديث على أن نسخ هذه القراءة كان متأخراً جداً قرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى درجة أن بعض الناس لم يبلغه النسخ ، (انظر مسلم 2/1075 ، والمعلم 2/165) . هذا هو الراجح من حيث النظر في الأدلة ، أما الأحوط والأسلم للدّين ، فهو ما عليه علماؤنا من أن التحريم يقع بقليل الرضاع وكثيره ، ويشهد للعمل بالاحتياط للتحريم في الرضاع ما جاء في الصحيح عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : (تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلانَةَ بِنْتَ فُلانٍ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ، قَالَ: كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، دَعْهَا عَنْكَ)، (البخاري حديث رقم 5105) ، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له : (كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ)، (البخاري حديث رقم 88). والذي أراه أن السؤال إذا ورد ممن لم يعقد بعد، فالأولى له الخروج من الخلاف ولا يتزوج، ومن لم يعلم حتى عقد فلا يفرق بينه وبين زوجته لِمَا دَلَّ عليه الحديث، والله أعلم. الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

تاريخ الإجابة: 
الأربعاء, أبريل 16, 2008

شوهدت count[5] مرة

التبويبات الأساسية