رسالة الشيخ إلى الشعب الليبي، والشعب الجزائري

بسم الله الرحمن الرحيم

تم تعديل الكلمة بتاريخ 21-4-2011، والحصول على النسخة الكاملة منها

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

وبعد،

فقد سئلت من داخل الوطن من بعض مدننا في مصراته وفي طرابلس وفي غيرها من المدن الليبية عن توضيح ما يجب عمله شرعا على الشعب الليبي في الوقت الراهن وهو يمر بهذه الظروف الحالكة، فأقول وبالله التوفيق:

إن ما تقوم به القوات الغاشمة وكتائب الأمن من عدوان ممنهج شامل على المدن الليبية لمما تتقطع له القلوب والأكباد ولا يكاد يُصدق، والشعب الليبي الذي بدأ انتفاضته انتفاضة سلمية يطالب بحقوقه وهو لا يزال يريدها كذلك سلمية ـ وإن كان النظام قد فرض عليه حمل السلاح ـ يجب عليه في الوقت الحاضر أن يتحمل مسؤوليته وذلك يتمثل في الآتي:

1 - أما المدن التي تم تحريرها فيجب على أهلها الاستمرار في الخروج في المظاهرات والاحتجاجات للمطالبة بحقوقهم، وللتأكيد على وحدة البلاد، ولتأييد الدول التي أعلنت تأييدها للشعب الليبي، والتنديد بالدول التي اتخذت منه موقفا معاديا، وحتى الدول الأخرى ـ وخصوصا الدول العربية التي لا تزال في موقف المتفرج ـ حثها على أن تتخذ لنفسها قرارا، وكذلك الجاليات الليبية في الخارج يجب أن يقوموا بهذا الدور في المدن الأوروبية وفي الدول العربية أمام السفارات، كل ذلك متعين عليهم، لأن الحراك الدولي مرتبط بالحراك الشعبي الداخلي، فإذا ما فترت الهمم في الداخل فإن الحماس الدولي أيضا سيتوقف وسيفتر.

2 - أما المدن الأخرى التي هي تحت القبضة الحديدة، وأعني بذلك طرابلس وما حولها غربا إلى الحدود التونسية، وما حولها شرقا: الخمس وزليتن ومسلاته وترهونة وبني وليد، وعلى الأخص طرابلس والمناطق المكتظة منها بالسكان مثل أبو سليم والهضبة، عليهم جميعا أيضا أن يُثبتوا وجودهم ويخرجوا في مظاهرات تؤيد المدن المحاصرة، فإنه يتعين عليهم نصرة إخوانهم في مصراته وفي الجبل الغربي وفي الزنتان، فإنهم يرون ما يقوم به النظام من حصار خانق لهذه البلدان يمنع عنهم الماء والدواء والطعام ويقصفهم قصفا مستمرا متواصلا، فيه تدمير، وفيه ترويع، وفيه تجويع، وفيه انتهاك لحرمات البيوت، لا يستثني امرأة ولا رجلا ولا صغيرا ولا كبيرا، فلا يجوز لمسلم أن يقف متفرجا أمام هذه المناظر الفظيعة، بل يجب عليهم أن يهبوا نصرة لإخوانهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه) ويقول: (المسلمون كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضا)، والنبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا من أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده، والله عز وجل يقول: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة).

والسبب الآخر أيضا في وجوب خروج هذه المدن في مظاهرات سلمية، أيضا من باب التأكيد على وحدة البلد، حتى لا يعتذر النظام بعدم خروجهم، ويعول على عدم خروجهم في مطالبة العالم بتقسيم البلاد، وحينها تكون الطامة.

السبب الآخر أيضا لخروجهم في مظاهرات سلمية للدفاع عن أنفسهم، فإن الأوامر التي تصدر علانية لهذه الكتائب الغاشمة تقول: اقتلوا، أحرقوا، دمروا، افعلوا ما شئتم، هذه الأوامر لن يُستثنى منها أحد من الشعب الليبي، هي موجهة لجميع أفراد الشعب الليبي، كل فرد في الشعب الليبي مُهَدَّد بهذه الأوامر، وهذه الأوامر لا يمكن تصنيفها شرعا في القاموس الفقهي إلا في أعمال الحرابة وقطع الطرق، فعلى الناس أن يدافعوا على أنفسهم، والدفاع عن النفس واجب، ومن يتخلَّ عن ذلك فإنه يكون آثما، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قُتل دون نفسه فهو شهيد، ومن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد) فلا بد لهذه المدن لا بد لها من أن تناصر إخوانها في البلاد المحاصرة، وأن تنتصر لأنفسها، وأن ترفع صوتها للعالم حتى لا يُتخذ سكوتُها ذريعة لتقسيم البلاد.

3 - كما أنني أريد أن أوجه كلاما لبعض القبائل التي لم تحسم أمرها بعد، في سرت وما حولها، وبني وليد وما حولها، وسبها وما حولها، أريد أن أقول لهم: إن هذه الانتفاضة ليست موجهة ضد ناحية، ولا ضد بلد، ولا ضد قبيلة، وإنما هي موجهة ضد الظلم وضد الباطل، فيجب على هؤلاء الناس في هذه القبائل أن يثقوا بأنه سوف لن يؤخذ أحد بجريرة أحد، ولن يؤخذ أحد بعمل آخر، لأن الله عز وجل يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ويقول: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها)، وهذه القبائل هم أهل للشعب الليبي، وقرابة للشعب الليبي، وأخوتهم أخوة إيمان، دماؤهم محفوظة، وحرماتهم مصونة، فعليهم أن يُعلنوا تبرؤهم من الباطل، وقد رأوا ما رأوا من انتهاك الحرمات والبيوت في بيوت إخوانهم في كل المدن الليبية؛ في مصراته وفي طرابلس وفي غيرها، فأين الشهامة، وأين النخوة، وأين خلق البادية الأصيل الذي ينتفض للعار، الذي يأبى الضيم وينتفض للعار، وصمتنا على ما يجري في هذا الأمر، صمتنا على ما يجري دون أن يتخذ أحدنا قرارا لنفسه هو وصمة عار على جبين كل من لم يتخذ قرارا بعد، والتاريخ لا يرحم !!

4 - كما أريد أن أؤكد على أن القاتل للشعب الليبي ليس فقط هو من يحمل السلاح ويدخل البيوت أو يقصف بالمدافع، وإنما كل من يُنفذ أو يُعين على أوامر القتل، فالنظام الذي يفعل ما يفعل الآن، تديره إدارة ومرافق، تديره قُوى عاملة؛ موظفون وإداريون ومهندسون وخبراء وقانونيون ورجال أعمال في مختلف المجالات المهنية والحرفية، في الاتصالات وفي النقل وفي غيرها من أعمال الدولة، وكذلك جيش وضباط وجنود وشرطة ومرور ورجال أمن داخلي ورجال أمن خارجي، فكل من ينفذ أمرا من هذه الأوامر أو يعين عليه فإنه يُعد قاتلا، وباستمرارهم بالقيام بأعمالهم هم يسندون القتلة ويعينونهم على الظلم والقتل، والله تبارك وتعالى يقول: ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، ويقول: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)، وإذا كان من يعين على قتل مسلم بشطر كلمة يأتي يوم القيامة مكتوب على جبهته (آيس من رحمة الله) فكيف بمن يُقدم عونا ويُسند، وقد سئل عمر رضي الله تعالى عنه من اليمن عن رجل اجتمع عليه جماعة وتعاونوا على قتله وتمالؤوا على قتله، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا)، فعَدَّ كل من يعين على القتل قاتلا، ولا يعفي من المسؤولية في هذا الأمر من يقول: أنا أطيع الأوامر، أو أنا مأمور، أو أنا مكره، فذلك كله لا يعفيه من المسؤولية الشرعية، فإن الطاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف) ، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله)، والإكراه لا يبيح القتل، لأن المكرَه عندما يقتل غيره فإنما يُنقذ نفسه، ولا يجوز للإنسان أن يُنقذ نفسه ليقتل غيره، لأنه ليس هناك نفس أولى من نفس، والقرآن يقص علينا في آيات كثيرة المحاجة بين السادة والكبراء والضعفاء المأمورين يوم القيامة، فيُلبسهم جمعا المسؤولية ولا يُفرق بينهم، يقول الله تبارك وتعالى: (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد)، ويقص علينا القرآن تبرؤ السادة والمتبوعين بعضهم من بعض فيقول: (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب)، وفي آية أخرى يقول: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)، ويبين لنا أن كل أحد يوم القيامة يأتي ربه فردا فيسأله دون أن يكون معه نصير ولا رئيس ولا شفيع، ويُجَرَّد من كل نفوذه ومن كل سلطانه ومن كل مسؤولياته ليواجه مصيره وحده، يقول الله تبارك وتعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون).

5 - ثم إن الشعب الليبي عليه أن يقف الآن موقفا واضحا تجاه دول العالم، فيجب عليه أن يقدر ويكبر الدول التي وقفت معه في محنته، وعلى الأخص دولة قطر الشقيقة، فإنها وقفت موقفا سوف لن ينساه الشعب الليبي لها مدى التاريخ، لأنها كانت له نعم العون ونعم النصير في محنته، وكذلك دول الخليج الأخرى، وعليه أيضا أن يشكر ويثمن مواقف بعض الدول الأوروبية التي ناصرته وأعانته، وعليه في الوقت نفسه أن يندد بالدول التي وقفت منه موقفا معاديا، وعلى الأخص دولة الجزائر الشقيقة، فإنها طعنت الشعب الليبي في الظهر، وذلك منذ بداية الأزمة، فهي الدولة الوحيدة في الجامعة العربية التي اعترضت بشدة على تحويل القضية إلى مجلس الأمن وطلب حظر جوي، ثم بعد ذلك ما تأكد من إرسال المرتزقة من بعض مطاراتها وضُبط بذلك وثائق عند الطيارين وعند القادمين من الجزائر، ثم بعد ذلك تهريبها الوقود وربما حتى السلاح، ثم أتت في آخر المطاف ثالثة الأثافي وقاصمة الظهر، وهي تصريح مسؤوليها على مستوى الوزارة، وزارة الخارجية، حيث سمحوا لأنفسهم بأن يرددوا ما يذيعوه (تلفزيون) النظام الرسمي الليبي من أن الثوار يوجد من بينهم أناس من القاعدة، يقولون ذلك دون دليل ولا برهان، (فويل لهم مما يقولون)، (ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم)، يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).

وإني سائل الحكومة الجزائرية: هل هذا هو ما يستحقه منكم الشعب الليبي؟! الشعب الليبي إبان حرب التحرير كان امتدادا للجبهة الجزائرية، وكان مع الشعب الجزائري في خندق واحد، وكان يمده بالنفس والنفيس، ولقد عاصرت بنفسي المرأة في طرابلس تأتي إلى مركز التبرعات في المساجد إبان الحرب الجزائرية، ... تلقي بقرطيها وبخواتيمها وبسوارها، وتخرج من المكان وتتركه عُطلا من غير حلية.

أقول للشعب الجزائري إذا كانت الحكومة الجزائرية نسيت ذلك، فإني أقول للشعب الجزائري: إن نساء طرابلس يشكين إليكم حكومتكم من موقفها العدواني، فهل منصف لهاته النسوة؟! فهل منصف لهن ومسمع للحكومة صرخة احتجاج ترد الأمر إلى نصابه وتكف العدوان عن الشعب الليبي، لا أقول هذا امتنانا، لا والله، والله يعلم القصد، ولكن سردا لحقائق التاريخ، حتى لا تضيع الحقائق تحت أقدام الطغاة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

11 جمادى الأولى 1432 هـ

14 04 2011

ملاحظة: تم تفريغه من الشريط المصور للشيخ حفظه الله، حفظ الله بلادنا وشبابنا من كل سوء

مشرف الموقع: أبو الحارث

لمشاهدة الكلمة مسجلة فيديو

https://youtu.be/EVCR5fqkCHQ

 

التبويبات الأساسية