المستضعفون مَن المسلمين، من لحقوقهم ؟ 1- مسؤولية الحكام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

        

    بارك الله في جهود مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية التي زارت إقليم (الروهينجا) وتكلفت المشاق، ووقفت بنفسها على مأساة المضطهدين من الأقلية المسلمة في بورما، وشكر الله سعيها.

نظمت هذه المؤسسات ملتقى بجمعية الدعوة الإسلامية اليوم الثلاثاء، دُعيت إليه كما دُعي إليه العديد من السفراء والنشطاء في المؤسسات الإنسانية، من خارج البلاد وداخلها.

كان الملتقى للتعريف بقضية مسلمي بورما، الذين هم اليوم بين تهجير وتقتيل وحرق بالنار وتنكيل.

عدِم هؤلاء المستضعفون النصير والمعين على كثرة ما نسمع عن عدد منظمات حقوق الإنسان في البلاد الغربية، التي لم تترك شاردة ولا واردة، ولا شيئا - خدم أهدافها - من شجر ولا حجر، ولا مدر، ولا حيوان، ولا رجل ولا امرأة، إلا وجعلت له حقوقا، وطالبت بها في المحافل الدولية، وضخمتها، وفخمتها حتى لو كانت هذه الحقوق لا يتعرف علبها الناظر إلا بالمجهر.

 

لماذا لم تبصر هذه المنظمات الحقوقية الغربية لا في بلادها الأم بلاد الغرب ولا في كثير من بلاد المسلمين حيث تنصب شباكها ـ لم تبصر ولا معسكرا من معسكرات (الراهينجا)، في مانيمار للاجئين، التي لا تطاق، ولا يصل إليها إلا من نجا من الموت الزؤام تحت شديد العذاب.

وحتى لو أبصرَتْها أتُراها رفعت بها توصيات إلى مجلس الأمن ليصدر قرارا بوضع بورما على قائمة الإرهاب أو تحت الفصل السابع العسير الحساب !! .

السؤال الذي طرحته على الحاضرين في هذا الملتقى، ما واجب المسلمين تجاه المستضعفين ما دامت المنظمات الحقوقية، لا تدخل ديارهم، إلا دخول إدانة، لا دخول رعاية وحماية، هل تترك الأقلية المسلمة المستضعفة فريسة للحقد البوذي اللا إنساني، الذي يشوي الأحياء على لهيب النار المستعرة.

للجواب عن هذا السؤال القرآن يخاطب المسلمين : (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) ويقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، ويقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ ولا يُسلمه وَلَا يَخْذُلُهُ)

معنى هذا إن نصرة المسلمين المستضعفين أينما حلوا واجبة على المسلمين جميعا، حكاما ومحكومين.

تقول هل للمسلمين قدرة على هذا؟

أقول بلاد المسلمين تملك أدوات كثيرة للنصرة، لكنها للأسف أدوات معطلة، فعلى المستوى الدولي أكبر تكتل متجانس في المحافل الدولية هي الدول الإسلامية، سواء في الجمعية العمومية للأمم المتحدة أو في منظمة مؤتمر العالم الإسلامي، هي أكثر عددا من التكتل الأوربي، أو التكتل الأطلسي، أو أي تكتل آخر، ولكنها الكتلة الأقل تأثيرا في الواقع العملي ،

طبقا لآيات القرآن نصرة المسلمين المستضعفين، والوقوف معهم أينما حلوا، هو مقصد أصلي في عقيدة المسلم، لا يقل أهمية عن أمنه القومي بالمصطلح المعاصر، فهل الدول والحكومات الإسلامية تراه كذلك؟ لو كانت تراه كذلك لأعزها الله، ولكان لقضية فلسطين أو غيرها من قضايا المسلمين وجه آخر.

لو أن دولة نال حاكمها من رئيس دولة أخرى في شخصه أو أسرته، لجاء الرد عليه في التو مدويا رادعا بالمحاسبة والمقاطعة والمباغضة، انتصارا للكرامة.

لكن أن يقتل الآلاف في إقليم الراهينجا، ويهجروا أو تدك البيوت على رؤوس أهلها العزل في سوريا، والضحايا بالآلاف، فالحكمة في الرد تقتضي التريث، حتى وإن كان الناس في عامهم الثالث من هذا الدك المتواصل.

أين نجدة المظلومين؟ أين نصرة المستضعفين؟ أين الإيمان بأحكام الإسلام؟

فتحت عمورية انتصارا لامرأة واحدة مسلمة صرخت متلهفة متظلمة: وامعتصماه، فلبى المعتصم نداءها بجيش جرار ،قال لملك الروم أوله عندك وآخره عندي.

موقف الدولة المسلمة من غيرها ينبغي أن يكون وفقا لموقفها من قضايا المستضعفين من المسلمين، وأن يكون هذا توجيها مثبتا في الدستور لا أقل منه، لأن الله تعالى يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)، لا يحتاج معه وزير الخارجية المسلم قبل أن يصوت أو يتخذ موقفا ما، أن يرد الرأي ليعرف موقف الدول الكبرى، أو الدول الصغرى أو المتوسطة من قضية المظلومين في بلاد المسلمين، لو جرب بعض حكام المسلمين هذه النصرة لأعزهم الله وأعز بهم الإسلام ولتغيرت الموازين.

2. مسؤولية المحكوم .

   عندما نُشر الجزء الأول من هذا المقال (مسؤولية الحكام)، قيل: أنت تعلم أن ما يُطلب من حكام المسلمين لنصرة المستضعفين معظمه لا يتحقق، وما يعانيه الفلسطينيون على مدى عقود عديدة خيرُ دليل، فما الحل؟ وما البديلِ؟

البديل: أن ترشدَ الشعوب إلى القيام بدورها.

عددُ المسلمين في العالم يقربُ من مليار ونصف، فهم لا يشكون من قلة، ولكن كما قال رسول الله : (غثاء كغثاء السيل).

اليهود لا يزيدون على خمسة وعشرين مليونًا في العالم، يتحكمون في لمال، وفي الإعلام، وفي قرارات وانتخابات أقوى دولة في الوقت الحاضر، مهيمنة على السياسة الدولية.

هذه الشعوب الكبيرة التي تمثل بلاد المسلمين، أغلبها شعوبٌ مستهلكة لما تنتجه وتصدره مصانع البلدان القوية، التي هي إمّا داعمة للاضطهاد، بقرارات ومواقف دولية جائرة، وإما أن تكون مباشرة وفاعلة بنفسها.

أو هي على الأقلّ عندما تريد أن تغضَّ النظر عن اضطهاد الضعفاء ، لن يقدرَ أحدٌ أن يخرج عن طوعها، وينصر المظلوم.

فلو كان هناك ترشيدٌ وتعريفٌ لرجال الأعمالِ، وللناس في البلاد الإسلامية بصفة عامة، أنَّ تعاونَهم مع الدولِ الصناعية المنتجة، الاقتصاديّ والتّجاريّ، وإقامةَ المشاريع والتنمية، كلُّ ذلك متوقفٌ على مواقف تلك الدول الصناعية من قضايا المسلمين.

فمثلا؛ هناك الآن قضايا ساخنة للمسلمين، يشعرُ الناس نحوها بالمرارة، ولا ينصرون.

أقليات مسلمة مستضعفة في بورما تُقتل وتُهجّر..

فلسطين محتلة من قبل اليهود، ويُفرض على أهلها حصارٌ خانق، ومن يكسر الحصار يعاقب..

سوريون عُزّل، تدكُّ عليهم إيرانُ بيوتهم، وتسفكُ دماءهم، والضحيةُ يُمنع من السلاح ليدافع عن نفسه؛ لأن الدولَ التي يدعمُ المسلمون اقتصادَها لا تريدُهم أن يتسلحوا، ودولٌ أخرى صناعيةٌ، يدعم المسلمون اقتصادها أيضًا، تحولُ دون صدور أيّ قرارٍ دولي يدينُ مَن يقتلُ الأبرياء، وكأنَّ في المسألة تقاسمَ أدوار !!

لِتكونَ للشعوبِ قدرةٌ على نصرةِ المستضعفين كما أمر الله، يمكنها أن تقوم بدورٍ فعّال، يبدأ بحملات إعلاميةٍ، تدعو إلى وضع منتجات هذه الدول الصناعية المتورطة في العدوان وشركاتها، وكذلك شركات كل من يساندها ويقف معها، في قائمةِ الممنوعات.

فلا تُعقدُ معهم الصفقات ...

ولا تُلبّـى لهم الدعوات للتعاون ...

ولا تُقبل منهم المنح ولا الضيافات؛ حتى يراجعوا أنفسهم.

والدول الصناعية تمر بأزمات مالية، وأزمات بطَالة، ولن تصمدَ طويلا أمام شعوبِها لو حصل شيءٌ مِن هذا.

وتكون لهذه الدعوى جدوى وفاعلية حقيقية، لو صدرت بها توصيات من علماءِ الأمة، مِن المجلس الأعلى لعلماء المسلمين، ومن هيآت كبار العلماء في العالم الإسلامي، ومن المجامع الفقهية الدولية والمحلية، ومن المؤسسات المدنية لحقوق الإنسان في بلاد المسلمين.

وهذه التوصيات من العلماء والحقوقيين، قد يتعين عليهم شرعا القيام بها، حين تتوقف عليها نصرة المستضعفين في بلادٍ عديدة، بها أقليّات مضطهدةٌ مِن المسلمين؛ منها بورما وغزة، وكذلك في المدن السورية التي تُدمَّر كل يوم، وهذا لا يعدو أن يكون جهدَ المقِلّ، ولو كان ما نحن فيه هو حال اليهود، لَما تردّدوا في مثل هذا، ولا في غيره.

لو فعلَ المسلمون هذا، لحسبَ لهم العالمُ حسابا، ولفرضوا احترامهم على الجميع، ولتغيرت الموازين.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الثلاثاء 16 شعبان 1434 هـ .

الموافق 25 – يونيو 2013 م

 

التبويبات الأساسية