القِيَمُ داخلَ أروقَةِ الجامِعاتِ (لِنتضامَنْ مع اتّحادِ الطلَّاب على حِمايَتها)

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

 

لا شك أنّ مِن أولويّات أهدافِ الجامعةِ إعداد الجيلِ القويّ، المتسلِّح بالعلمِ والمعرفة، المؤمنِ بالقِيَمِ والأخلاقِ وثوابتِ الوطنِ والدينِ، القادرِ على البناء والنهوضِ بالبلدِ، واتخاذِ القرارِ وتحمّل تَبِعاتِه، وعلى التحدّي لِتحقيقِ الأهدافِ، وحَمل الأعباءِ.

هلِ الجيلُ الذي نتطلّعُ أنْ يكونَ على هذا النّحوِ، نراهُ فعلًا مِن خلالِ السلوكيّات التِي نُشاهدُها داخلَ أروقةِ الجامعاتِ؟

هل يمكِن أنْ يتخرّج في جامعاتِنا مَن يُلبّي هذا الطموحَ، والجامعات على ما هِي عليه الآن؟!

ماذا نَرى في أروقة الجامعات؟

لقد عَمَّت واستَفاضَت وتكررّتِ الشكوَى، مِمّا يجرِي مِن تدهورٍ للأخلاقِ داخل الجامعاتِ، حتّى صارَ الأمرُ لا يُطاقُ، بَثّ الشكوَى ورَفَعَهَا وتمَلْمَلَ مِما يجري كُلّ مَن يَتردَّدُ علَى الجامعاتِ، مِن كلّ الأطْيافِ.  

تحرُّشٌ، عرضٌ للأَزياءِ، مُيوعَةٌ، اختلاط مشين، خمور ومخدرات، إِفسادٌ للشبابِ، تَعدٍّ على الذّوقِ العَامّ، انتِكاسةٌ لِلقِيم !! إلّا مَن رَحمَ ربُّك.

الجامعاتُ في ليبيا، بِها لَوائِحُ وقَوانينُ تُنَظّمُ سلوكياتِ الطلَبة والطالبَاتِ؛ في قيافتِهِم ولباسِهم، ودُخولِهم وخُروجِهم، وعلاقَاتِهم بزُملائِهم وأساتِذَتِهم، لِمَ لا يتعاونُ على تطبيقِها كلُّ الأطرافِ؛ إدارةُ الجامعاتِ، والعُمداءُ، والأَساتِذَةُ، ورجالُ الأمنِ، وأولياءُ الأمورِ؟!  

تفعيلُ إدارة الجامعاتِ لهذه اللوائحِ - بمخاطبَةِ كلّ مَن يعنيهم الأمر، بِما فيهِم أولياءُ الأمورِ، بالالتزامِ باللوائحِ، وتطبيقِ العقوباتِ على كلِّ مَن يخالفُها، وسد كل أبواب الفساد، بما فيها العمل على الحد من هذا الاختلاط المشين - هوَ الحدُّ الأدنَى المطلوبُ مِن المسؤولينَ في الجامعاتِ؛ لإِبْراءِ ذِممِهم، وإخلاءِ مسؤولياتِهم مِمّا يجْري.  

هل يَليقُ أن تتحوَّلَ الجامعاتُ - مركزُ العطاءِ العلميّ والمعرِفِيّ، ومعقلُ التوجيهِ التربَويّ والسّلوكيّ - عمّا ينبغِي أن تكونَ عليه؛ مِن الهيبةِ والوَقارِ والحفاظِ على هويَّةِ الأمةِ، إلى معرضٍ للأزياءِ، وساحاتٍ متنوعةٍ لإظْهارِ الزّينةِ وإبراز المفاتنِ، بِلبسِ الضيّقِ والعارِي، والفاضِحِ والمثيرِ، يقصدُها المتسَكّعونَ والمُتلَصِّصُون، مِن كلِّ حَدبٍ وصَوْبٍ؛ لِلفَتكِ بضحاياهُم، على مرْأى ومسمَعٍ مِن الجميعِ؟!

أينَ عقولُ أولياءِ الأمور، الذينَ يسمحونَ لبناتِهم، قبلَ أولادِهم، بهذِه الفضيحةِ؟!  

لم لا يطالبون في ظل هذا الفساد العريض بجامعات يفصل فيها الذكور عن الإناث، حماية لأولادهم وبناتهم من تدهور أخلاقي مدمر؟! 

لمْ يَشْكُ مِن هذا التدهوُرِ الأخلاقِيّ في أروِقةِ الجامعات، شيوخُ الشريعةِ، ولَا الدعاةُ والمصلحون!؛ لأنّهم للأَسفِ مُغيّبونَ، ليسَ لهم وجودٌ داخلَ جامعاتٍ تضُمّ آلافًا مُؤلَّفةً مِن الشبابِ والشابّاتِ، في مُقتَبل الأعمارِ، جامعةُ طرابلسَ وحدَها - على سبيلِ المثالِ - تضمُّ ما لَا يقلُّ عنْ خمسينَ ألفًا مِن هذه الشريحةِ، المَعقُود عليها الآمالُ  في المجتمعِ.

لَمْ يَشْكُ مِمّا يجرِي داخلَ أروقةِ الجامعات الشيوخُ؛ حتّى يُتَّهموا بتضخيمِ الأمورِ، بلْ شكَا مِن هذا طالباتٌ وطلّابٌ، رأَوا الأمرَ أصبحَ لا يُطاقُ، ولا يُمكنُ الصبرُ عليهِ!

لَمْ نَرَ في برامجِ الجامعةِ مهرجاناتٍ للدعوةِ تربويّةٍ، ولا مُخيّماتٍ، ولا مَواسمَ ثقافيةً، يكونُ فيها للعلماءِ المختصينَ في التربيةِ الإسلاميةِ وجودٌ!

هل تخشَى الجامعاتُ، لو دعَت أمثالَ هؤلاءِ العلماء والدعاةِ؛ للمساعدةِ والتوجيهِ والعونِ على ما تعانيهِ مِن انفلاتٍ وتحريشٍ بين الجنسَينِ - أن تُتّهمَ (بالإسلامِ)!! كفانَا خوفًا مِن الانتسابِ لِهذا الاسمِ الشريفِ (الإسلام)، لقدْ عشنا مَا لا يَقلُّ عن عِشرينَ سنةً في جامعةِ طرابلس، مِن منتصفِ السبعينياتِ إلى منتصفِ التسعينياتِ مِن القرنِ الماضِي، والإسلامُ بينَنا داخلَ الجامعةِ تُهمةٌ مخيفةٌ، تُهدِّد قائلَها بالخيانةِ العظمَى، وتُدخِلهُ (بوسليم).

لا يَجرُؤُ أحدٌ - لا طالبٌ ولا أستاذٌ ولا عميدٌ ولا رئيسُ جامعةٍ - أن ينطقَ داخلَ الجامعةِ باسمِ الإسلامِ، فالدراساتُ الإسلاميةُ سُميت دراساتٍ قرآنية، سُميت بالقرآنيةِ فقط للإيحاءِ بإنكارِ السنةِ، والتبرِّي مِنها، لَا للحرصِ على القرآنِ، فكيفَ يَعملُ بالقرآنِ ويحرصُ عليه، مَن لا يقدرُ أن ينطقَ باسمِ الإسلامِ؟!!

فهلْ نسمحُ اليومَ لمزيدٍ مِن التنصلِ والخوفِ من الإسلامِ؟!

وإلَّا فَلِمَ التردّدُ في مشاركةِ الدّعاةِ والعلماءِ والتربَويّينَ؛ للقيامِ بالتوجيهِ والإصلاحِ داخلَ الجامعات، هؤلاء جميعًا، وكلُّ أطيافِ المجتمعِ المدنيّ الحريصِ على الفضيلَةِ، وكلّ أولياءِ الأمورِ، مَدعوّونَ أنْ يستَنكِروا مَا يحصلُ الآنَ في الجامعات، ويُسهمُوا في إصلاحِ الخلَلِ.

اتّحادُ الطلابِ في جامعةِ طرابلسَ عبَّرَ هذا الأسبوعَ، عن استنكَارِه لِما يجرِي في جامعَة طرابلس - اتحادُ الطلابِ الذي كانَ في  الماضِي، زمنَ القذافِي، المسؤولَ عن إفسادِ التعليمِ والقيَمِ، داخلَ الجامعاتِ وخارجَها، ومسؤُولًا أيضًا عنِ التخلُّصِ مِن خصومِ النظامِ،  بنصبِ المشانقِ في رابعَة النهارِ!

صِرنا اليومَ - بحمدِ اللهِ - نراهُ بوجهٍ آخرَ؛ يدافِعُ عنِ الفضيلةِ، وينتصرُ للقيَمِ، ويغضبُ للأخلاقِ، ويحتجُّ ويستنكِرُ المنكَرَ.

أُكْبِرُ فيهمُ الجهودَ النبيلَةَ، والحرصَ على الفضيلَةِ، فقدْ أثبتَتِ المواقفُ التي بدَتْ منهم في جامعةِ طرابلسَ، على مَرِّ الأيّامِ، أنّهم علَى حداثَةِ أسنانِهم؛ كبَارُ الهِممِ، رُجَحاءُ العقولِ، أوفياءُ، جديرونَ بالتقديرِ، أُحيِّي فيهم غَيرَتَهُم على الحُرماتِ، فالغَيرةُ مِن الدِّين، والغَيرةُ مِن الإيمانِ، والغيرَةُ مِن المُروءَةِ، واللهُ تباركَ وتعالَى يغارُ، ويُحبُّ مَن يغارُ علَى حُرماتِه، ففِي الصحيح من حديث المغيرة رضي الله عنه قالَ: (قال سعدُ بنُ عبادة: لو رأيتُ رجلًا معَ امرأتِي لضربتُه بالسيفِ غيرَ مُصفحٍ، فبلغَ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: أتَعْجبُون مِن غَيرةِ سعدٍ، لأنَا أغْيَرُ منْهُ، واللهُ أغيَرُ مِنّي).

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

13 جمادى الآخرة 1435 هـ

الموافق 13 أبريل 2014

 

التبويبات الأساسية