لا تَصْطَادُوا في الماءِ العكِرِ، ولا تُزايِدوا على دارِ الإفتاءِ

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا يحتاجُ المفتِي أن يدفَعَ اليومَ عن نفسِه تُهم الّذين يصطَادونَ في الماء العكر، المتهمينَ لدارِ الإفتاءِ بدعم الإرهابِ والقتل؛ لأنّ للمفتي على الأقل عشرة كتبٍ مِن كتُبه، وعشراتِ المقالاتِ مِن منشوراتِه، تُعالجُ موضوعُ الغلوّ والتطرفِ والتشدّدِ في الدين.

لم تصدرْ هذه المنشوراتُ البارحةَ، ولا الأسبوعَ الماضي، بل إصدارُها متواصلٌ منذُ ما يقربُ مِن ثلاثين عامًا، فحواها جميعًا؛ لا للإفراط، لا للتفريطِ، لا للعنفِ، لا للتشدّدِ، لا للتطرفِ، لا للغلوِّ، وشبه ذلك، ممّا يأتي قبل القتل والخطفِ والتفجير وما يؤدّي إليه مِن الفساد بمراحل.

إني لا أدافع عن أحدٍ بعينه، ولكني أقول لكل مَن يعنيه الأمر؛ هناك مؤشرٌ لمعرفةِ المصلحِ من المفسد، هذا المؤشرُ هو المقارنةُ بينَ حالة الأمن الآن في بنغازي وفي طرابلس، وبينَ ما كانت عليه قبل شهرينِ أو ثلاثة؛ هذه المقارنة تكشفُ لكم مَن كان يقتلُ ويختطف ويفجر؟!!

وأزيد؛ لو كَشف التحقيقُ القضائيّ - الذي كنّا ولا نزالُ على مدَى سنتين نطالبُ به الحكومةَ دون جدوى - لو كَشف هذا التحقيقُ أنّ مِن بينِ القتلة مَن يتبنَّى توجُّها إسلاميًّا، فإنّنا نُدينُه، وننكر عليه، ونتبرَّأُ منه، كما نُدينُ غيرَه ونتبرأ منه، ولا نبالِي.

لا يمكنُ لمسلمٍ علِم أصول الإسلام وعدلَه وحكمته في التشريع، وعمومَ دعوتِه للخلق، أن يقرّ قتل الأبرياء؛ لا باسمِ الإسلامِ، ولا باسمِ غيرِه؛ وأيًّا كانت الجهة التي تتبناه؛ لأنه يسيءُ إلى الإسلام ومبادئِه السمحةِ أكثرَ ممّا يسيئُ إلى غيره، ممن يحاربونه باسم القوانين والمعاهدات الدولية.

لكنْ ليس لدينا إرهابٌ حلالٌ وإرهابٌ حرامٌ، الإرهابُ كله حرام، فكفّوا عن تحريفِ الكلام.

مَن يقتلُ أو يقطعُ الرؤوسَ باسمِ الإسلام، نقولُ له: الإسلام بريءٌ منك، ومن أعمالك التي تُغضب الله، وتغضب رسولَه، وتُغضب أهلَ الإسلام، وتُغضبُ العقلاءَ مِن أهلِ الأرضِ قاطبةً؛ لأن القرآن يقولُ عمّن يقتلُ مؤمنًا متعمّدًا: (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).

الإسلامُ دينُ السماحةِ والإحسان والرحمة، دخلَه الناسُ طواعيةً؛ محبةً فيه، ورغبةً إليه، ولو كانَ يُفجرُ ويقطعُ الرؤُوس لأبْغضوه، ورغِبوا عنه، ونفَروا منهُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صحَّ عنه - محذرا من أقل من ذلك: (إنَّ منكُم مُنَفِّرينَ).

وفي هذا السياقِ، أقولُ للذينَ يصطادونَ في الماءِ العكر، مِن أبناءِ جلدتِنا - سواء كانوا مِن المسؤولينَ في الدولةِ، أو مِن المقيمينَ في بلادِ الغربِ، ويُديرون نشاطًا سياسيًّا، ومواقع وصفحاتٍ إلكترونية، مستغلِّين التوتُّر الدولي، وموجةَ الخوفِ من الإرهابِ في العالم - أقول لهم: لا تزجّوا بالثوارِ الشرفاءِ، ولا بالدعاةِ وأهلِ العلمِ مِن أبناءِ وطنِكم، بسببِ خلافِكم معهم، في بياناتٍ أو بلاغات كيديةٍ كاذبة؛ لِملاحقتهم دوليًّا.

النضالُ معَ المنافسِ لا يكونُ هكذا، إن كُنْتُمْ تَعدُّون أنفسَكم مِن أهل النضال.

هل بعدَ أن أخفقتم في ميدانِ المنافسةِ الشريفةِ، القائمة على الحقائِقِ، ومُنِيتُم بالخيبةِ والخذلانِ، وانفضَّ الناسُ عنكم في الميدانِ، تلجَؤون إلى أساليب الوشاية والدسيسة والجوسَسة للأجنبي، وإلى البلاغات الكيدية الملفقةِ؛ لتنالُوا مِن خُصومِكم عن طريقِ المجتمع الدولي؟!!

عندَما يسطرُ التاريخُ حروفَه، سيصنّفُ هذا ضِمن الخزيِ والعارِ، والتآمر على أبناءِ الوطن، الذي يأنَفُ منه كلُّ شريف.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الاثنين 20 ذو القعدة 1435 هـ

الموافق 15 سبتمبر 2014 م 

التبويبات الأساسية