رَفعُ الغطاءِ عنِ القَتَلَةِ

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسبب ما وقعَ مِن قتلِ أحدِ ابنَي آدمَ أخاهُ ظلمًا؛ ذكرَ اللهُ التغليظَ في حرمةِ القتلِ، وخوّفَ منه تخويفًا شديدًا، فقالَ تعالى: (أنه مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) وأشارتِ الآيةُ إلى نوعينِ مِن القتلِ؛ نوع جرائم القتلِ المعتادِ، المتوعّد عليها في الآيةِ الأخرى بغضب الله والخلودِ في النارِ، ونوع آخرَ أبشع وأشنع، وأشدّ ضررًا على الأمةِ، وهو جرائمُ الحرابةِ وقطع الطريقِ، وخطف الناسِ مِن الطرقاتِ، وعلى أبواب المساجد، أو مِن بيوتِهم، تحتَ تهديدِ السلاحِ، أو قتلهم على هُوية القبيلةِ والناحيةِ، أو التوجّه الفكريّ والسياسيّ، أو تهديدهم على الجوالاتِ بالخطفِ والقتلِ إن تكلموا عن الظالمين ولم يتستروا عليهم، وكل ذلك من الفسادِ في الأرضِ، فإن الفساد في الأرض معناه إتلاف الأنفس والأموال أو عمل يؤدي إلى إتلافهما، بما في ذلك التستر على الظالمين.

وفي جعل قتل نفس واحدة أو فساد في الأرض كقتل الناس جميعا من التغليظِ والتخويفِ مَا لَا مزيدَ عليهِ، ومعناه: أنّ مَن تجرّأ وكسرَ باب حرمةِ النفسِ المعصومةِ، وسفك الدم الحرام، واستسهله مرةً واحدة؛ لم يُبالِ بعدَها بقتلِ ما قدرَ عليه مِن الأنفسِ، ولو أتَى على الناسِ جميعًا، فمَن تهاون في نفس واحدةً عُدوانًا، هانَ عليهِ الأمر، ولا يصعب عليه بعدها القتلِ، فلا يَأبَهُ لَه.
وفي قوله: (فكأنما قتل الناس جميعا) تنبيهٌ للأمّة بأن يعتبروا قتل واحد منهم بغيًا عُدوانًا هو موجّه إليهم جميعًا، فلا يتهاونُوا في العمل على منعِهِ والتصدي له، وكفِّ الجانِي وتعقُّبهِ وملاحقتِهِ، والأخذِ على يديهِ بالقصاصِ منه، وإقامة حدودِ اللهِ عليه، وألا يُؤْووه، ولا يقدّموا له مَلاذًا، ولا حمايةً، وأن يتبرّؤوا منهُ، ويرفعُوا عنهُ الغطاءَ ، ولا يغضبُوا من أجلهِ، أو ينتصروا له باسمِ قبيلتهِ أو بلدته، أو جماعته وانتمائهِ، أو حزبِهِ وفكره، فإن مَن غضِبَ للجاني عصبية، ورفعَ السلاحَ فمات دفاعًا عنه، أو تستُّرا عليه ، فميتة جاهلية؛ كما صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومَن آوَى القاتل فاحتمى به، استحقَّ الطّردَ ولعنةَ الله وملائكته، ففي البخاريّ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ).
وكذلك كل ظالم لا يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، الوقوف معه، ولا عونه، ولا حمايته، ولا الركون إليه، فإن الله تعالى يقول: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) وكلّ مسلمٍ وَلاّه الله رعاية شأن من شؤون المسلمين مخاطبٌ بأنْ يعملَ على كفّ ظُلمه ومنعِهِ، كلٌّ على حسبِ قدرتِهِ وتأثيرهِ وسلطانِهِ وبسطةِ يدهِ، في مختلف المؤسسات الإدارية، والسياسية والقضائية، والأهلية من الأعيان والحكماءِ والنخبِ وعامةِ الناسِ، فإنّهم جميعًا مُخاطَبونَ بأن يتبرّؤُوا مِن كلِّ قاتلٍ وظالمٍ ومارقٍ، وخارجٍ عن القانونِ، ولا يتستّروا عليهِ.
ولا تبرأ ذمة المسلم إلّا بذلك، وأن تكونَ موالاتُهم ونصرتُهم للمؤمنينَ، لا لغيرِهم، وأن تكون على الإيمانِ وحدَه، لا على القبيلةِ والكتيبة، ولا لمن يوالي ويأتمر بأمر أعداء الله، وأن يجعلُوا تأييدَهم ونصرتهم لمن يعملُ على صلاحِ الدنيا والدينِ، لا لِمن يُعاديهِ، أو يناصر الظالمين، أو لمن يتهاون في ذلك ويُضيع مصالحَ المسلمينَ، فقد تبرأَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِن آلِ أبيهِ وقرابته ليُعَلِّمنا التخلي عن موروث الجاهلية، وأن النُصرة والولاء لا يكون إلا للحق لا للقرابة والقبيلة، قالَ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ آلَ أَبِي لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ).

‏وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
04 ربيع الأول 1438 هـ
الموافق 03 ديسمبر 2016 م

التبويبات الأساسية