ما هو وقت ذبح هدي التمتع؟ |
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد. فالمذهب في هدي التمتع أنه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر، وهو مذهب الحنفية والحنابلة فقالوا: لا يجوز ذبح هدي التمتع قبل يوم النحر، وقال الشافعية: يجوز ذبحه بعد الإحرام بالحج أو الإحرام بالقران ، أما بعد التحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج ففيه وجهان عندهم، أظهرهما الجواز، (انظر المغني 3/475 ، ومغني المحتاج 1/694). وقد سئل مالك عمن كان عليه هدي تمتع أو قران أو جزاء صيد ، أو هدي قربة أو نذر ، أيجزئه إذا ذبحه قبل يوم النحر ، فقال : الهدايا كلها إذا نحرها صاحبها قبل فجر يوم النحر لم تجزه (المدونة 1/482)، وقال القاضي عبد الوهاب : ولا يجوز ذبح هدي القران والتمتع قبل يوم النحر خلافا للشافعي لقوله تعالى : (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله)، وقد ثبت أن الحلق لا يجوز قبل يوم النحر ، فدل على أن الهدي لم يبلغ محله إلا يوم النحر ، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق)، فما ذكرته الآية من إلقاء التفث والطواف الركن لا يكون قبل يوم النحر ، فكذلك ذبح الهدي. وعندما قال خليل في المختصر: (ودم التمتع يجب بإحرام الحج وأجزأ قبله) اختلف الشراح في المراد منه ، وذكروا أن في المسألة طريقتين ؛ طريقة ابن رشد وابن العربي وصاحب الطراز وابن عرفة وهي : أن هدي التمتع إنما يجب برمي جمرة العقبة أو بانتهاء وقت الوقوف بعرفة لما تقدم في الاستدلال لأصل المذهب ، وطريقة اللخمي وصاحب النوادر وابن بشير وابن شاس وابن فرحون ، وهي جواز تقديمه بعد إحرام العمرة ، بالقياس على إجزاء الكفارة بعد الحلف وقبل الحنث ، وعبارتهم (جواز تقديمه) كعبارة خليل (وأجزأ قبله) كلتاهما موهمةٌ ، هل المراد بها جواز تقديم ذبح الهدي ، أم جواز تقديم تقليده لا ذبحه ، والشراح يرجحون الاحتمال الثاني ، حتى إن منهم كالخرشي نفي الخلاف أصلا، وقال : لم يخالف أحد في أن من ذبحه قبل الإحرام بالحج لا يجزئ ، فتعين أن يكون المراد بقولهم: (وأجزأ قبله) أي أجزأ تقليده وإشعاره عند الإحرام بالعمرة قبل الإحرام بالحج، لا ذبحه قبله، (انظر شرح الخرشي 2/313) ، وكذلك قال الدردير في (الشرح الكبير 2/30) ، واعترض عليه الدسوقي بما نقله عن الأُبِّي في شرح مسلم على حديث الاشتراك في الهدي عند قول جابر: =وأمرنا إذا أحللنا أن نهدي+ ، (مسلم حديث رقم 1318)، أي فسخنا الإحرام بالحج إلى العمرة الذي أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فصاروا بذلك متمتعين ، حيث عزا الأبي إلى عياض قوله : (في الحديث حجة لمن يجوز نحر الهدي للتمتع بعد الإحلال للعمرة وقبل الإحرام بالحج ، وهي إحدى الروايتين عندنا ، والأخرى أنه لا يجوز إلا بعد الإحرام بالحج، لأنه بذلك يصير متمتعا ، وذكر بعضهم أنه يجوز بعد الإحرام بالعمرة)، قال الدسوقي: وبه تعلم أنه يتعين صحة إبقاء كلام المصنف ـ أي خليل ـ على ظاهره ، يعني جواز تقديم ذبحه على الحج لا تقليده، وسقوط تعقب الشراح عليه . لكن يظهر لي أن التعقب لا يزال قائما ، فإن عبارة القاضي عياض في الإكمال ليست كما عزاها إليه الأبي ـ وإنما ذَكرَتْ جواز التقليد دون النحر ـ ونصها كما في الإكمال : (يَحتج بها ـ أي بعبارة جابر المتقدمة ـ من يجيز الاشتراك في الهدي ، ومن يجيز تقليد هدي التمتع عند التحلل من العمرة ، وقبل الإحرام بالحج ، وهي إحدى الروايتين عندنا ، والأخرى لا تجزئ إلا بعد الإحرام ...)، (إكمال المعلم 4/403) ، ثم عزا الأبي إلى المازري قوله : (مذهبنا أن هدي التمتع إنما يجب بإحرام الحج ، وفي وقت جواز نحره ثلاثة أوجه : فالصحيح والذي عليه الجمهور أنه يجوز نحره بعد الفراغ من العمرة وقبل الإحرام بالحج ، والثاني لا يجوز حتى يحرم بالحج ، والثالث أنه يجوز بعد الإحرام بالعمرة)، (شرح الأبي على مسلم 3/411) ، ولم أر هذا النص عند المازي في المعلم، وقد علمتَ ما في عزو الأبي إلى القاضي عياض من التصحيف ، فيخشى أن يكون مثله في العزو إلى المازري حيث لم يتسنّ الوقوف على عبارته، خصوصا أن في هذا الكلام الذي عزاه إلى المازري نظر ، فإن قوله : مذهبنا أن هدي التمتع إنما يجب بالحج ، صحيح ، لكن يترتب عليه أنه لا يجوز نحره قبل الإحرام بالحج وبلوغ محله ، فقوله بعد ذلك : فالصحيح أنه يجوز نحره بعد الفراغ من العمرة ، مخالف لما نص عليه أنه المذهب ، ولما تقدم عن مالك في المدونة ، ونسبة جواز ذبحه قبل الإحرام بالحج إلى الجمهور غير صحيح ، فالصحيح عند الحنفية والحنابلة أنه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر كما تقدم ، (انظر المغني 3/475 ، وتعليق ابن الشاط على الفروق 2/31 ، والمنتقى 3/4). الصادق بن عبد الرحمن الغرياني |
تاريخ الإجابة 2007-11-21
شوهدت 1192 مرة