تمليك الزوجة أمر نفسها

السؤال: 

فضيلة الشيخ حفظه الله،

ما قولكم في رجل قال لزوجته ملكتك أمرك ولك أن تطلقي نفسك متى شئت، فأجابته على الفور بأنها ستبقى زوجته وأنها ستنتظره مهما غاب عنها، ثم إنها بعد مدة وزوجُها غائب عنها قالت: طلقت نفسي، فلما علم الزوج بذلك استشار بعض طلبة العلم فأخبروه أنها صارت مطلقة، وبناء على وقوع الطلاق في نظرهم فقد قررا الزواج مرة أخرى، فوكلت المرأة شخصا أجنبيا عنها على تزويجها منه مرة أخرى لأن وليها غائب في بلد آخر، ثم سافرت الزوجة، وقال الزوج: إنه علق طلاقها على فعل شيء منعها منه ونوى بذلك الطلاق، وأن المرأة أحنثته، فأخبرها الزوج بأنها قد طُلِّقت منه، وبعد انقضاء عدتها، تقدم إليها خاطب، فمنعها وليها ـ وهو أخوها ـ من الزواج، وأصرت هي والخاطب على أن يتم النكاح، فوكلت شخصا من أقارب الخاطب ليعقد لها، وعقد لها بوجود شاهدين، ولم يتم إعلان النكاح وإشهاره، لأنهم لا يريدون إعلان الزواج، وظنت الزوجة أن هذا النكاح قد وقع بغير ولي وأنه نكاح باطل، وأخبرت زوجها الثاني بذلك، واعتبرت هي والزوج الثاني أن الأمر قد انتهى في بادئ الأمر، وقالت له: إن أردت أن تتزوجني فتقدم واخطبني من أخي، لكنه لاحقا لم يوافقها على ذلك، وعندما علم أنها قد قررت العودة إلى زوجها الأول قال لها: أنت لا زلت زوجتي ولا حق لك في السفر، فأجابته بأن عقده عليها كان باطلا لسبب عدم الولي، فهي ليست زوجة له، وطلبت منه أن يتلفظ بالطلاق احتياطا، فسكت ولم يرد عليها، وعندما رجعت إلى البلد لزوجها الأول وأخبرته بما حدث اعتبر هو أيضا أن نكاحها لزوجها الثاني من غير ولي باطل، فعقد عليها ودخل بها، وهو لا يعلم أن زوجها الثاني الذي اعتبروا نكاحه باطلا كان قد دخل بها.

والسؤال :

هل يعتبر ما حصل من الزوجة في التمليك طلقة يعتد بها، وإذا كانت طلقة هل ما تم بعد ذلك من العقد عليها مرة أخرى وقع صحيحا أم لا؟  وهل العقد الذي وَكلت فيه المرأة قريب خاطبها عقد باطل لأنه من غير ولي؟ وما حكم العقد الأخير الذي قام به زوجها الأول عندما رجعت إليه بناء على اعتبارهما بطلان عقدها من الزوج الثاني بلا ولي؟ فهل هو زواج صحيح مستوف للشروط؟ علما بأن من تولى تزويجها منه هو ابنها، فصلوا لنا في الجواب بارك الله فيكم

الجواب

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله، أما بعد:

فما حصل من تمليك المرأة طلاق نفسها يعد لاغيا بمجرد قولها للزوج أنها لا تريد الطلاق، وأنها تريد أن تنتظره مهما طالت غيبته، وعليه فتطليقها نفسها بعد ذلك منه وندمها لا يعد شيئا، وذلك باتفاق أهل العلم، ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَاهُ، فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلاقًا)() و في الشرح الكبير على مختصر خليل(2/407) في الكلام عن تمليك الطلاق: (وعمل بجوابها الصريح في رده ـ أي الطلاق ـ قولا: كاخترتك زوجا، ورددت لك ما ملكتني، أو فعلا: كتمكينها من الوطء أو مقدماته).

وعليه، فعقده عليها ـ بناء على ما أفتاه به بعض طلبة العلم من وقوع الطلاق ـ يعد لغوا، لأنها لم تزل زوجته، أما الطلاق المعلق فإنه قد وقع عليها، لأنها فعلت ما منعها منه، وأكد لها ذلك بقوله: (أنت تعدين مطلقة) وزواجها من الرجل الآخر بعد خروجها من العدة يعد صحيحا، فهو ليس من تزويج المرأة نفسها الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أنكحت نفسها من غير ولي فنكاحها باطل) وإنما هو من قبيل تزويج المرأة بالولاية العامة مع وجود ولي خاص غير مجبر، وهو أخوها، وعقد النكاح بالولاية العامة مع وجود خاص غير مجبر يصح إن كانت المرأة ليست من ذوات الحسب، فإن كانت من ذوات الحسب فيصح إن دخل الزوج وطال كثلاث سنين.

فإن لمن يطل، خُيِّر الولي الخاص، فإن أمضاه مضى وإن رده فُسخ، ولا يُعد سكوته رضا، بل لا بد أن يُقرَّه أو يرده، فإن سكت رُفع الأمر إلى الحاكم ليمض النكاح أو يرده.

وعليه، فإن طال زواج المرأة من الزوج الثاني ثلاث سنين فأكثر، أو لم يطل وأقر الولي الخاص، وهو الأخ، زواج المرأة من الزوج الثاني فهي لا تزال ذات زوج، ويُعد رجوعها إلى الزوج الأول ونكاحها إياه باطلا، عليها أن تستبرئ منه وترجع إلى زوجها الثاني.

فإن رد الولي الخاص (الأخ) نكاح المرأة من زوجها الثاني وخرجت بعد فسخه من العدة فزواجها مرة أخرى من الزوج الأول صحيح.

أما إن سكت الأخ ولم يُجب لا بإقرار للنكاح أو رد له، والحال أنه لم يمض على زواجها من الزوج الثاني ثلاث سنين، فعلى المرأة أن ترفع أمرها للحاكم، فإن أمضاه مضى، وإن رده فسخ، وعلى هذا الاحتمال الأخير، وهو سكوت الأخ وعدم إقراره أو رده لنكاح الزوج الثاني، يكون زواجها من الزوج الأول فاسدا، والله أعلم.

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

تاريخ الإجابة: 
الجمعة, يناير 28, 2011

شوهدت 10924 مرة

التبويبات الأساسية