التطريب في الأذان

السؤال: 

ما حكم التطريب في الأذان الذي عمت به البلوى في البلاد المختلفة؟ ومتى يكون حراما؟

 

الجواب

التطريب في الأذان هو تقطيع الصوت به وترعيده ، وهو أيضا : قصر الممدود ومد المقصور ، ويعد من اللحن في الأذان ، كما نقل الشيخ الحطاب في مواهب الجليل 1/438 ، عن (الطراز) وابن فرحون . وحكم التطريب في الأذان الكراهة ، ففي المدونة : (كان مالك يكره التطريب في الأذان كراهية شديدة) ، وسئل ابن القاسم عن قول مالك في التطريب ، فقال : (ينكره إنكارا شديدا)، (المدونة 1/58) . وقال مالك في العتبية : (وإني لأكره التطريب في الأذان ، ولقد هممت أن أكلم أمير المؤمنين في ذلك ، لأني كنت أسمعهم يؤذنون)، (البيان والتحصيل 18/325)، وقال في العتبية أيضا : التطريب في الأذان منكر، (مواهب الجليل 1/438) ، وقال ابن ناجي : يكره التطريب في الأذان ، لأنه ينافي الخشوع والوقار ، وينحو إلى الغناء ، وقال : الكراهة في التطريب على بابها ما لم يتفاحش ، وإلا فالتحريم ، وقال الشيخ زروق : التطريب والتحزين في الأذان مكروه ، والمغيِّر للمعنى أو القادح فيه ممنوع ، ذكر ذلك كله الحطاب في الموضع السابق . وبعد أن ذكر الشيخ الحطاب الأخطاء الشائعة عند المؤذنين من مثل مد الهمزة في لفظ الجلالة ، والباء في أكبر ، ونحو ذلك ، قال : ويبقى شيء لم أر من نبه عليه ، وهو إشباع مد ألف الجلالة التي بين اللام والهاء ، فإنه ليس ثم سبب لفظي لإشباع مدها في الوصل ، أما إذا وقف عليها كما في آخر الأذان والإقامة فالمد حينئذ جائز لالتقاء الساكنين ، ثم نقل الحطاب عن ابن الجزري في (النشر) ، في باب المد والقصر ، أن العرب تمد ما لا يمد ، وذلك عند الدعاء وعند الاستغاثة ، وعند المبالغة في نفي الشيء ، كما في (لا إله إلا الله ، ولا إله إلا هو ، ولا ريب) . أقول : لكن مد ألف لفظ الجلالة في جملة (الله أكبر) عند الوصل ليس واحدا من هذه الثلاثة التي يمد فيها ما لا يمد ، فليس للمد فيه وجه ، وقد سمى ابن الجزري مد ما لا يمد في الدعاء والاستغاثة والمبالغة في نفي الشيء ، بالسبب المعنوي للمد ، وقال : قدر المد فيما قرأنا فيه ـ يعني في لا ريب ـ وسط لا يبلغ الإشباع، (النشر في القراءات العشر 1/345) . ثم قال الشيخ الحطاب : رأيت في كتاب المواقيت ما نصه : وقصر الألف الثاني من اسم الجلالة غير جائز إلا في الشعر ، والإسراف في مده مكروه لخروجه عن حد المد، (مواهب الجليل 1/438) . وقد بين أئمة القراءة حد المدود ، الذي لا يجوز تجاوزه ، لا في الأذان ولا في غيره ، وأن ما زاد عليه يدخل في الإسراف المنهي عنه ، فقالوا في المد الأصلي : لا يجوز أن يوصل في مده مقدار ألفين ـ أي أربع حركات ـ وفي غير المد الأصلي من سائر المدود الأخرى ، لايجوز مده أكثر من خمسة ألفات ـ أي عشر حركات . ففي (المنح الفكرية) يقول الشيخ علي القارئ عن المد الأصلي : (الزيادة فيه على مقدار ألف يعتبر لحنا جليا ، وخطأ فاحشا ، مخالفا لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالطرق المتواترة ، فإن جعله مقدار ألفين أو أكثر كما يفعله أكثر الأئمة من الشافعية والحنفية .. فإنه محرم قبيح ، لا سيما وقد يقتدي بهم الجهلة في ذلك .. أما غير الأصلي فلا تجوز الزيادة فيه على مقدار خمس ألفات إجماعا ـ أي عشر حركات ـ فما يفعله بعض الأئمة والمؤذنين فمن أقبح البدع وأشد الكراهة)، (المنح الفكرية ص 56 لملا علي بن سلطان بن محمد المعروف بالقارئ صاحب المرقاة شرح مشكاة المصابيح ، الفقيه المحدث المقرئ ، وعرف بالقارئ لأته كان إماما في القراءات ت 1014 هـ ، ونسب الشيخ الدردير في الشرح الصغير على مختصر خليل إلى القراء ـ هكذا دون عزو إلى أحد بعينه ـ أنه يجوز على وجه شاذ الزيادة في غير المد الأصلي إلى أربع عشرة حركة ، وهو مخالف لما نقله القاري من الاتفاق على عدم الزيادة على العشر ، وقد تجاوز المؤذنون في أيامنا المتفق عليه والشاذ على فرض ثبوته ، انظر الشرح الصغير 1/122) . وبذلك يعلم أن إشباع المد في لفظ الجلالة عند الوصل بما يصل إلى ثلات حركات ، يدخل في التطريب المنهي عنه ، وهو وإن كان في هذا القدر غير فاحش ، وحكمه عند المالكية الكراهة ، وهي على بابها ، كما ذكر ابن ناجي ـ فإنها كراهة شديدة منكرة ، كما صرح به الإمام مالك ، ومما ينبغي تغييره وعدم السكوت عنه ، كما تقدم عنه في قوله : (لقد هممت أن أكلم أمير المؤمنين في ذلك) . فإن زاد المد الأصلي على ذلك ، بأن بلغ به أربع حركات فأعلى ، صار فاحشا ، لأن القراء جميعا يمنعونه ، كما تقدم نقل علي القاري الاتفاق عليه والتطريب الفاحش بمد المقصور ، حكمه التحريم والمنع كما تقدم فيما نقله الحطاب . ولقد رأيت من يبلغ بالمد في لفظ (حي على الفلاح) أزيد من عشرين حركة ، يمد بذلك صوته ويلحن ، ولا شك أن هذا يدخل في التطريب الممنوع ، الذي يجب تنبيه فاعله على تركه ، ورفع أمره إلى ولي الأمر إن لم ينته ، كما همّ مالك رحمه الله تعالى أن يفعل بمن سمعه يؤذن كذلك ، والله تعالى أعلم .

تاريخ الإجابة 2007-12-15 

شوهدت 1422 مرة

التبويبات الأساسية