أحداث بنغازي ودور الإعلام !

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

رحم الله من مات من شبابنا في مدينة بنغازي في حادث الكويفية، وشفى الله الجرحى، وأحسن الله عزاء أهليهم وعوضهم الأجر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ما حدث في الكويفية أمر مؤلم شديد الوقع على الوطن كله، ومما زاد من ألمه، آثاره وتداعياته.

هل سيمر هذا الحادث كغيره مرور الكرام يبدأ فيه التحقيق ثم لا ينتهي، لا يعرف الناس من الجاني ومن المجني عليه إلا من خلال ما يرسمه الإعلام !!

لا تتوقف الاعتداءات والتجاوزات، التي نراها تتكرر، جنائية كانت أو مالية، والناس لا يرون مذنبا أو مقصرا ناله العقاب.

هناك من يحاول توظيف ما حدث للفرقة بين شرق البلاد وغربها، وللجهوية، وإفساد ذات البين، وشق الصف بإحياء نعرات قديمة بغيضة، عفا عنها الزمن، يبغضها الإسلام، ويأباها الدين، وينفر منها كل غيور حريص على الوطن.

حاولت بعض الجهات استثمار حادث بنغازي الأخير لصالحها، ولعب الإعلام دوره في المشهد بقنواته المتعددة، كلٌ بما يحقق أغراضه وأهدافه، وأحكامه وإداناته.

رأينا إعلاما كان طول الوقت يدندن حول التنكر للثوار جملة وتفصيلا، ويضعهم جميعا في سلة واحدة، يسوي بين الخارجين عن القانون ومن يسمون أنفسهم ثوارا، زورا وبهتانا، يديرون أوكار الفساد والعصيان، وبين من كانوا منذ اليوم الأول وقودا للثورة، قدموا أرواحهم رخيصة لله، إقامة للدين، ونصرة للوطن، ووقوفا مع الحق، صورهم الإعلام جميعا بأنهم صاروا عبئا على ليبيا، ويؤلب الرأي العام على التخلص منهم قبل فوات الأوان !!

إنني أدين بشدة كما أدنت في السابق مرارا كل مظهر مسلح، خارج عن الشرعية، أيا كان توجهه، وأيا كانت أهدافه.

لكن ما أراه معيبا حقا من بعض الإعلاميين الذين يملكون المنابر والقنوات هو التنكر الجاحد لمن أعطتهم الدولة الشرعية، لأنها محتاجة إليهم، يقومون بحراستها وحراسة الوطن، وحماية الديار ومؤسسات الدولة، وتٌسند إليهم المهام الأمنية التي تكلفهم أرواحهم في طول البلاد الشاسع، وعرضها قريب المدن وبعيدها، ليهنأ الناس ـ بما فيهم أصحاب هذه القنوات ـ بالأمن في سربهم ثم يكافؤون بالتنكر والتنديد واتهامهم بالتسلط واغتصاب السلطة، وهم من أعطتهم الدولة الشرعية ومنحتهم السلطة.

أي غَبن هذا؟ وأي جحود للعرفان وتنكر؟!!

لكن ما ينبغي أن نستفيده من أحداث بنغازي، هو أن نكون أشد حرصا على اللحمة الوطنية من أي وقت آخر.

وحدة ليبيا مطلب وطني، هو أحد أهداف الثورة المجيدة، ومطلب شرعي لا يمكن التفريط فيه.

قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا)، و قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (َألاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالُوا بَلَى، قَالَ : إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ الَّتِي تَحْلِقُ الَّدْين).

فعلى أولياء الأمور والشيوخ والأعيان في بنغازي والمدن الشرقية كلها أن يكونوا كما عهدناهم صمام أمان في الحفاظ على ثوابت الدين، ووحدة الوطن وجمع الكلمة.

وأن يفوتوا على من يمهدون للفرقة وإثارة النعرات الجهوية والقبلية، الفرصة في تقسيم البلاد وتمزيقها.

فيا أهل بنغازي لا أحتاج إلى أن أذكركم بأنكم شرارة الثورة الأولى، وكنتم دوما سباقين للتضحيات من أجل الوطن قبل قيام الثورة أو في أثناء معاركها الطاحنة، فلا نحب أن تكون بنغازي اليوم المنطلق لتفريق الصف وانقسام الوطن فالله الله في ليبيا.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الخميس 4 شعبان 1434 هـ

الموافق 13-6-2013 م

 

التبويبات الأساسية