الجموعُ الحافلة.. والشكر للجزائر.

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

مظهرُ الاحتفالِ الحاشدِ الذي غصّت به شوارعُ ليبيا وميادينُها، طولَ يوم أمس الأول ، في طرابلس وغيرِها مِن المدنِ، كان رائعًا ومعبّرًا، وما كدَّرَه إلا خلطُه ببعضِ المخالفاتِ الشرعيةِ، التي تمنّيت أن تخلوَ منها الميادينُ في ثورةِ التكبير، وأن يحل محلها المسابقاتُ الترفيهية والشعريةُ للصغار والكبار، والأهازيجُ والشعر الحماسي؛ الشعبي والفصيح، المعبرُ عن المشاعر النبيلة؛ مشاعر المحبة والشجاعة والشهامة، ووحدة الوطن.

لقد بعثت الجموعُ الحاشدة الغفيرةُ، التي سالَت بها شوارعُ وميادين ليبيا، برسالتين غاية في الأهمية.

رسالة إلى الداخل، وكانت ردًّا مدوّيًا على المرجفين، الذين راهنوا على بث الإشاعات، بإخافةِ الناسِ من زعزعةِ الأمنِ في العاصمة، وعملوا على تحريضِ مجرمِي السجونِ والحشيشِ والمخدّرات، ومَن يسمّى بالصحواتِ، والبلطجيةِ؛ ليبثّوا الرعبَ وينتهكُوا الحرمات؛ كما فعلوا في بنغازِي الأسيرة، عسَى اللهُ أن يفكّ أسرَها، ويداويَ جرحَها، وذلكَ ليبعثوا بإشارة سلبية للخارجِ، تحققُ آمالَهم الشريرةَ تجاهَ الوطنِ.

هذا ما كان يسعَى إليه ويتمنّاه أعداءُ الثورة، والمتحالفون معهم، ممّن حُسبُوا على الثورة في بداياتها، فخيَّب اللهُ آمالَهم، وردَّ عليهم سهامَهم؛ فالله قد حكمَ، ولا معقبَ لحكمِه؛ (ولَا يحيقُ المكرُ السيءُ إلَّا بأهلِه).

كما أعطَى هذا الحضورُ الواسعُ في الميادينِ طمأنينةً وسكينةً، لكلّ الخائفينَ على الوطنِ، أنّ الوطنَ بخيرٍ، وأن أهلَه لن يتهاونُوا في الحفاظ عليه، ولن يفرطوا فيه، ولن يتنازلُوا عن ثوابِته، وأنهم إذا ما أحسُّوا بأن مِن بينِهم مَن يمكرُ؛ ليفسدَ ذاتَ بينِهم، ويشقَّ صفَّهم، هبُّوا هبةَ الرجلِ الواحدِ، وصفعوه على قفاه بتأكيدهم على اللحمةَ الوطنيةَ، والتمسك بوحدة الوطن، وعدم التفريطِ في دماءِ أبنائِهم، فتحيةً لكلّ مَن أسهمَ في إشاعةِ الطمأنينةِ والفرحةِ بينَ الناسِ، وتحية تقديرٍ إلى الجنودِ المجهولينَ الساهرينَ على حمايةِ الأمنِ في العاصمةِ، وفي مدن ليبيا الشاسعة.

والحمدُ لله الكافِي عبادَه مكرَ الماكرين؛ (فسيكفيكَهُم اللهُ وهو السميعُ العليمُ).

الرسالة الثانية التي أرسلت بها الميادينُ الحافلة؛ كانت للمجتمعِ الدولي، ولدول الجوار، وكانت لوضوحِها وصدقِها في التعبيرِ عن نفسها، ناصعة لامعة، انقشعت بها على التوِّ، في المحافلِ الدوليةِ، غيومُ سحب قاتمة، صنعَها الإعلامُ المعادِي من خلال تحالف سياسيين مخضرمين، مع رموز النظام السابق، وبعض المحسوبينَ على الثورةِ في بدايتِها، ما انفكوا مجتمعين يصوّرُون ليبيا للعالم الخارجي، بأنَّها (وكرٌ للإرهابِ)، وأنّ مدنَها تعيشُ الخوفَ وانفلاتَ الأمنِ، الخارج عن السيطرة، وما توقفوا يوما يحرّضُون الأجانبَ على ترحيلِ رعاياهم، وعلى استصدارِ قرارٍ دولي بالتدخلِ العسكري، يفعلونَ ذلك مِن خلالِ تقارير زائفة، ووشايات كاذبة، يسربونها إلى العالم الخارجي، بطرق شتى؛ رسمية وغير رسمية، مكرا بأمتهم.

والآنَ نحسبُ أن العالمَ بدأت تتبيّن له الحقائق، ويرى أيٌّ من الفريقينِ في طبرق وطرابلس الجانح إلى السّلمِ حقًّا ، ومن يحرص صدقا على بناءِ الدولة، واستقرارِ الوطن، وَمَنْ الذي يريدُ تقويضه وتدميره .

لا يزال إلى هذا اليوم هناك من يخرجُ على القنوات الفضائية، من قادةِ ورموز برلمانِ طبرق، ويقولُ بملءِ فِيهِ: "المشكلةُ في ليبيا لا تحلُّ إلا بالدماءِ والسلاح، ولا تحلُّ بالحوارِ"، فهل بعد هذا إصرار على القتلِ والدمارِ؟!!

الشكرُ والتقديرُ لمن سانَد ليبيا من الأعضاء، في اجتماع جامعة الدول العربية الأخير، التي تحولت للأسف إلى مُطالِب بالتدخل الأجنبي في ليبيا، ومهمتها - التي من أجلها أُسست - أن تحمي أعضاءها من التدخل !!

ومن دول الجوارِ الشكر على الخصوص إلى الجزائر الشقيقة، التي تحطَّمت علَى صلابةِ وثباتِ مواقفِها من التدخل في ليبيا مكائِدُ وأحلامُ المغامرينَ، فشكرًا للجزائرِ.

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

الخميس 29 ربيع الآخر 1436 هـ

الموافق 19 فبراير 2015

التبويبات الأساسية